لا تقل: صمد في وجه الأزَمَات.
وقل: ثبت في وجه الأزَمَات.
لم يكتف المشاهير بإفساد ذائقة الناس الفكرية والأخلاقية والأدبية، بل بلغ السيل الزبى، بإفسادهم لغتهم ومعانيها الجميلة، بتعميم ألفاظ وتراكيب، ألبسوها معاني غير معانيها الحقيقة، ورسخوا المعنى المبتدع، الذي ليس بينه وبين المعاني الحقيقية أي نسب، أو قربى مستمدة من معاني أحرف كلمات العرب، فشاعت هذه المعاني المزورة، حتى أصبحت حجة ومقصدا، وإجماعا بين الناس، إلا من رحم ربي، ممن آتاه الله علما وفضلا.
فقاد شاعت في أدبياتهم السياسية والعلمية والتربوية كلمة (الصمود)، بمعنى الثبات والمواجهة والتحدي، فتحدثوا عن الصمود السياسي، وجبهة الصمود، والصمود في الإدارة، والصمود في التعلم، والتربية والفكر، وكان المعنى عندهم هو الثبات والقوة والبأس، والمعنى الحقيقي للكلمة في اللغة بعيد كل البعد عن ذلك، ولم ترد في كلام العرب، أو آثارهم، أو معاجمهم، كلمة صمد بمعنى ثبت أو قاوم قط.
فقد جاء في معاجم اللغة: صمده يصمده صمدا، وصمد إليه، كلاهما أي قصده، وصمد الرجل الأمر، أي قصده واعتمده.
والصمد هو القصد والتوجه والسير، وقال الزمخشري: الصمد القصد، وقاله ابن فارس.
وتصمد له بالعصا أي قصده، وبيت مصمَّد بالتشديد أي مقصود، وصمده بالعصا صمدا إذا ضربه بها، وأصمد إليه الأمر أي أسنده، والصمد بالتحريك السيد المطاع، الذي لا يـُقضى دونه أمر.
وقيل الصمد الذي لا يـُطعـَم، وقيل الصمد السيد الذي ينتهي إليه السؤدد، وقيل الصمد الدائم الباقي بعد فناء خلقه.
والصمد هو من يقصده الناس في حوائجهم ليقضيها، وهي صفة من صفات الله سبحانه: {قل هو الله أحد * الله الصمد}، فقد أصمدت إليه الأمور فلم يقض فيها غيره، ولا ينبغي أن يكون اسم الصمد لسواه، لأنه المتفرد بلجوء كل الخلق بحوائجهم إليه.
وجاء في الحديث: (ما رأيتُ النَّبيَّ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ يصلِّي إلى عودٍ ولا عمودٍ ولا شجرةٍ إلَّا جعلَهُ على حاجبهِ الأيمنِ أوِ الأيسرِ ولا يصمُدُ لهُ صمدًا)، أي لا يتجه إليه.
وفيما روي عن عمر رضي الله عنه: (فأمَّا أبوك فإنِّي مررتُ به وهو يبحَثُ بحثَ الثَّورِ فحِدتُ عنه فصمَد له ابنُ عمِّه عليٌّ فقتَلَهُ)، أي توجه إليه.