لعل من أهم ميزات كل عصر حديث في وقته، أن تتطور وسائل عيشه، وأدوات حياته، لتتوافق مع ما استجد من معلومات، وانفتاح على الآخرين، وسبل عيشهم.
ولكن هل تتطور القيم والمفاهيم والمبادئ أيضا، لتلتقي مع قيم الآخرين ومبادئهم؟
نحن من القائلين بحزم: إن القيم هي القيم والمبادئ هي المبادئ، وهي صامدة بقدر أصالة منبعها، وإلا فما هي إلا عادات وتقاليد، تقبل الأخذ والعطاء، وإعادة التوجيه والتصويب، والتطوير، لتتناسب مع مصلحة الواقع.
ولكننا نقر في الوقت نفسه أن مفاهيم القيم والمبادئ، قد تتطور لتلامس واقعا جديدا، ومصلحة حديثة، لأن دفع المضار مقدم على جلب المصالح، في أصولنا الفقهية والعقلية.
ففي يوم من الأيام كان التسابق بالخيل، وغيرها من وسائل المواصلات والتنقل، مفخرة لمن يفوز به، حتى كان من أسباب البر بالوالدين، ورفع رأس القبيلة، حتى قالت الخنساء مفتخرة بأخيها الذي سابق أباه، ولم يمنعه من تجاوزه إلا البر والاحترام:
جارى أباه فأقبلا وهما يتعاوران ملاءة الحضـر
أولى فأولى أن يساويه لولا جلال السن والـقـدر
ولكن هل التسابق (في الطرقات) اليوم، باب من أبواب البر وصلة الأرحام والتفاخر؟
كنت يوما في ضيافة أحد ضباط المرور، حين دخل عليه رجل كهل يستند إلى عكاز أضناه الشقاء، يرجوه أن يفك قيد مركبته المحجوزة، فوقره ضابط المرور، وأحسن ضيافته، ريثما يعرف سبب الحجز، ليخبره أن ابنه كان يقود المركبة بتهور، ويعتذر المسؤول له بأن القانون لا يمنحه الحق في فك حجز المركبة، فخرج الكهل منكسرا مطأطئ الرأس، ليتساءل صاحبي – مقررا – أليس هذا من العقوق؟ أليس قيادة الشاب مركبته بطيش وتهور، عقوقا للوالدين، حتى لو لم يضطر والده، للوقوف بأبواب المسؤولين، منكسرا طالبا العفو والمغفرة لذنب ارتكبه ولده؟ أليس قيادة الفتى مركبته بطريقة تسيء لسمعته وسمعة أسرته عقوقا لوالديه؟ أليس تسبب الفتى بحادث، يصيب الناس بأذى وأضرار، إساءة لسمعة والديه، وتعريضا لهما للسب والشتم؟ أوليس قيادة الفتى مركبته بطريقة تقتله، تمثل أكبر فجيعة لوالديه في حياتهما؟ وأي عقوق يفوق هذا العقوق؟ وأي أذى أكبر من هذا الأذى؟
أيها الأبناء، بروا آباءكم، تبركم أبناؤكم.