هل يمكن أن تكون لدينا حالة حقيقية لمثقف بلا وعي؟
وهل يمكن أن تتجلى الثقافة والمعرفة والعلم في شخص، ويكون هذا الشخص بعيدا عن الوعي الحقيقي، الذي كان ينبغي أن يترتب على الثقافة؟
فيما مضى من الزمن كان هناك عالم ضال بعلمه، مضل بخبرته، كالعلماء الذين وصفهم الله بقوله: {كالحمار يحمل أسفارا}، فقد أضل الله هذا العالم فلم ينفعه علمه، بل كان علمه حجة عليه في الدنيا والآخرة.
مثل هذا النموذج نجده في بعض المثقفين في عصرنا الحديث، فكم من طبيب أشغلته (السيجارة) عن مرضاه، وكم من نجار بابه مكسور، وكم من خطيب عجز عن نقل علمه لأهل بيته، ومعلم أبناؤه راسبون.
في مجال تخصصنا في التوعية المرورية، نظلم المختصين في شؤون ترخيص السائقين، وتأهيلهم، ليكونوا سائقي مركبات منضبطين، فنطعن في الثقافة المرورية لدى المخرجات، وكأن المُخرج مقصر، دون أن نمعن النظر فندرك، أن ثقافة هؤلاء تامة كاملة، بكل ما يفرضه القانون من لوائح وضوابط، بل ما يفرضه العقل قبل ذلك، وإلا لما نالوا رخص القيادة أصلا، ولكن وعيهم في الاستجابة لنداء العقل قاصر غير مبال، وهو ما نسميه الوعي والإدراك.
إن الوعي بمتطلبات السلامة والأمان، لا يحتاج لكثير من الثقافة والعلم، بل لا يحتاج إلا إلى القليل من العقل والتدبر والتفكر، فمن من الأطفال الصغار، لا يعلم أن القيادة بتهور تضر وتؤذي؟ ومن منهم لا يدرك أن تجاوز الإشارة المرورية الحمراء ربما يؤدي إلى الهلاك؟ ومن منهم لا يدري أن الهلاك في العجلة؟
ربما نحتاج إلى تثقيف غير السائقين كالأطفال، ببعض المهارات في التعامل مع أدوات الطريق، كحزام الأمان وخطوط المشاة، ولكننا لا نحتاج إلا إلى إيقاظ الضمير والعقل فحسب لدى السائقين، الذين لم تردعهم معرفتهم بالقانون وعقوباته، عن مخالفته وتعريض أنفسهم وغيرهم لمخاطر يعلمون جيدا حجمها الكارثي، وعند ذلك يكون هذا المنطق، دافعنا لزرع حب الخير والتأني، وغيرها من القيم الرشيدة، في نفوس النشء، منذ نعومة أظفارهم.