ذلك أن الإرسال يكون لكائن يسير بذاته، ولا يحتاج إلى من يسير به، فإذا كان المرسل جامدا لا يمكنه الحركة بنفسه، أو لا يسير بإرادته، فإن هناك مرسَـلا، أو رسولا يحمله، فيكون الجماد مرسلا به، لأن الجامد لا يُرسل بنفسه، والإرسال هو الإطلاق، وأرسل الشيء أطلقه وأهمله.
قال الله تعالى: {ألم ترَ أنا أرسلنا الشياطين على الكافرين تؤزهم أزاً}.
فالمرسـَل أو الرسول، إذا كان إنسانا أو كائنا حيا أو ما يشبه ذلك، فإنه يسير بذاته، فنقول أرسل رسوله.
قال الله تعالى: {هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا}.
وإذا كان جمادا جرت العادة أنه يسير بنفسه كالمطر والعذاب والزلزال والبركان فإنه يكون مرسلا بذاته أيضا، قال الله تعالى: {فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الطُّوفَانَ وَالْجَرَادَ وَالْقُمَّلَ وَالضَّفَادِعَ وَالدَّمَ آَيَاتٍ مُفَصَّلَاتٍ فَاسْتَكْبَرُوا وَكَانُوا قَوْمًا مُجْرِمِينَ}.
قال الله تعالى: {وَفِي عَادٍ إِذْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الرِّيحَ الْعَقِيمَ}.
أما إذا كان المبعوث جمادا لا يملك حيلة، ولا طاقة ذاتية للحركة، ولا يشبه الكائن الحي، فإنه يكون مرسلا به.
قال الله تعالى: {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَى بِآَيَاتِنَا وَسُلْطَانٍ مُبِينٍ}.
وروى البخاري في صحيحه على لسان عبد الله بن عمر رضي الله عنهما: أَرسلَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم إلى عمرَ رضي الله عنه بحُلَّةِ حريرٍ، أو سيراءَ، فرآها عليه، فقال: (إني لم أرْسلْ بها إليك لتلبِسَها، إنما يلبَسُها من لا خلاق له، إنما بعثتُ إليك لتستمتع بها)، يعني تبيعـها.
وقال قيس بن الملوح:
لقد كذب الواشون ما بحت عندهم بليلى ولا أرسلتهم برسيل
أي لم أرسل معهم برسالة، والرسيل هو الرسول، وهو الرسالة.
وأخيرا: وإن كنا نرى ذلك خطأ، فإنه ليس بالخطأ الفادح، ولعل بعض المتكلمين يجيزون نزع الخافض هاهنا، ولكن ذلك خلاف الأفصح والأولى.