أي النصين صحيح؟ وأيهما خاطئ؟ أصمت ستاً من شوال بعد رمضان؟ أم أصمت ستة من شوال بعد رمضان؟
على الرغم من مخالفة أحد النصين، لظاهر قواعد التذكير والتأنيث المشهورة، عند العوام فإنه هو النص الأكثر فصاحة وبلاغة، وهو نص صحيح صريح ورد على لسان سيد البلغاء والفصحاء رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، كما أورده مسلم في صحيحه: (مَنْ صامَ رمضانَ، ثُمَّ أَتْبَعَهُ ستًّا مِنْ شوَّالٍ، كانَ كصيامِ الدَّهْرِ).
وقواعد التذكير والتأنيث كما يعرفها الناس، تقتضي أن يوافق العدد المعدود في الرقمين الأول والثاني، وكذلك في الحادي عشر والثاني عشر، بينما يخالفه في الأعداد من الثالث إلى التاسع، ويخالفه كذلك في الجزء الأول منه، في الأعداد المركبة تركيبا مزجيا، من الثالث عشر حتى التاسع عشر، فما قاعدة (ستا من شوال)، التي وافق فيها العدد: (ستا) المعدود: (أيام)، خلافا للقاعدة المشهورة؟
يكمن السر في أن تاء التأنيث، حين تضاف للعدد المخالف للمعدود، فإنها تدل على التذكير، لا على التأنيث، ودرج العرب بفصاحتهم وبلاغتهم، على حذفها إذا حذفوا المعدود، وأمنوا ألا يلتبس المعنى، والحديث المذكور أعلاه مثال على ذلك، فعندما حذف المعدود: (أيام)، لم تعد هناك حاجة لتاء التأنيث، الدالة على التذكير.
ومن أمثلة ذلك قول الله تعالى: {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا فَعَلْنَ فِي أَنْفُسِهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ}. أي عشرة أيام، فحين حذف (أيام) حذف التاء معها.
وقوله أيضا: {يَتَخَافَتُونَ بَيْنَهُمْ إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا عَشْرًا}. أي عشرة أيام.
كما كانوا إذا حذفوا المعدود المؤنث، ووضعوا بدلا منه معدودا مذكرا، يدل عليه، أبقوا العدد على حاله دون تاء التأنيث على الرغم من أنه أصبح عددا لمعدود مذكر.
قال الله تعالى: {مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلَا يُجْزَى إِلَّا مِثْلَهَا وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ}. أي عشر حسنات أمثالها، ولم يقل: عشرة أمثالها، فتعامل مع تأثير كلمة الحسنات في العدد، وكأنها موجودة.