من فدى اللهُ بذبح عظيم؟

Albaaj107 نوفمبر 2024آخر تحديث :

رجوح أدلة أن الذبيح هو إسماعيل وليس إسحاق عليهما السلام

زعم اليهود والنصارى (ووافقهم بعض فقهائنا السابقين واللاحقين)، أن النبي الذي امتحن الله به نبيه إبراهيم بالذبح، هو ابنه إسحاق، وليس إسماعيل، عليهم وعلى نبينا الصلاة والسلام.

وفي العصر الحديث، وفي ظل دعوات (التنازل)، رأى بعض (العلماء)، أن لا بأس بتبني وجهة نظر اليهود والنصارى، والتخلي لهم عن فضل من فضائل نبي الله إسماعيل، ما دام المستفيد الآخر من التنازل، هو نبي آخر، وهو أخوه إسحاق.

الحق أحق أن يتبع

ونحن المسلمين {لا نفرق بين أحد من رسله}، ولكننا نتبع الحق، ولا نتبع الهوى، خاصة إذا تعلق الأمر بأنبياء الله.

وقد دلت آيات القرآن تلميحا واستنباطا، أن الذبيح هو إسماعيل، وليس إسحاق، وذلك دون تكلف، كما دل على ذلك أكثر الأثر، من الحديث والسير، بينما يحتاج شرح النصوص للتكلف، ليدل على عكس ظاهره.

صفات الأنبياء في القرآن

فقد وصف الله أنبياءه ورسله بصفات خاصة تميزهم عن غيرهم، لعلها تكون أكثر وضوحا فيهم، من الصفات الكريمة الأخرى، فأصبحت الصفة مجردة تدل على الموصوف، حتى دون ذكر اسمه، مثل وصفه نبيه محمدا برؤوف رحيم، ووصف إبراهيم بالأواه، وداوود وأيوب بالأواب، و{وكلم الله موسى تكليما}.

وقد وصف الله نبيه عيسى في سورة مريم بأنه غلام زكي: {قَالَ إِنَّمَا أَنَا رَسُولُ رَبِّكِ لِأَهَبَ لَكِ غُلَامًا زَكِيًّا}.

ووصف نبيه إسحاق في سورة الحجر بأنه غلام عليم: {وَنَبِّئْهُمْ عَن ضَيْفِ إِبْراَهِيمَ * إِذْ دَخَلُواْ عَلَيْهِ فَقَالُواْ سَلامًا قَالَ إِنَّا مِنكُمْ وَجِلُونَ * قَالُواْ لاَ تَوْجَلْ إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلامٍ عَلِيمٍ}.

وعاد ثانية ليؤكد صفة غلام عليم نفسها في سورة الذاريات: {فَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً قَالُوا لَا تَخَفْ وَبَشَّرُوهُ بِغُلَامٍ عَلِيمٍ}.

ولا شك أن المقصود بالغلام العليم إسحاق لأن أمه زوجة إبراهيم كانت حاضرة عند تلقيه البشرى.

ووصف الله إسماعيل بسورة مريم بأنه صادق الوعد: {وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِسْمَاعِيلَ إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ وَكَانَ رَسُولًا نَّبِيًّا}.

ثم وصف نبيه إبراهيم في سورة الصافات بتصديق الرؤيا، التي وافقه عليها ابنه إسماعيل: {قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ}.

ورودت كلمة صابر في الآية المتعلقة بقصة الذبح: {قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِن شَاء اللَّهُ مِن َالصَّابِرِينَ}.

وهي صفة أثبتها الله لإِسْمَاعِيلَ: {وَإِسْمَاعِيلَ وَإِدْرِيسَ وَذَا الْكِفْلِ كُلٌّ مِّنَ الصَّابِرِينَ}.

ووصف نبيه إسماعيل في سورة الصافات بأنه غلام حليم دون ذكر اسمه:

{فَأَرَادُوا بِهِ كَيْدًا فَجَعَلْنَاهُمُ الْأَسْفَلِينَ * وَقَالَ إِنِّي ذَاهِبٌ إِلَى رَبِّي سَيَهْدِينِ * رَبِّ هَبْ لِي مِنَ الصَّالِحِينَ * فَبَشَّرْنَاهُ بِغُلَامٍ حَلِيمٍ * فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانظُرْ مَاذَا تَرَى قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِن شَاء اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ * فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ * وَنَادَيْنَاهُ أَنْ يَا إِبْرَاهِيمُ * قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ * إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْبَلَاء الْمُبِينُ * وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ * وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي الْآخِرِينَ * سَلَامٌ عَلَى إِبْرَاهِيمَ * كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ * إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُؤْمِنِينَ}.

ولعل وصف إسماعيل بالحليم ظهر في ذريته من العرب، حيث كان الحلم من أشهر صفاتهم، بينما ظهرت صفة عليم في بني إسحاق، الذين وصفهم الله في سورة الشعراء بقوله: {أَوَلَمْ يَكُن لَّهُمْ آيَةً أَن يَعْلَمَهُ عُلَمَاء بَنِي إِسْرَائِيلَ}.

التسلسل المنطقي

وقد تحدث الله في آيات سورة الصافات، عن الابن (الأول) للنبي إبراهيم، (الغلام الحليم)، الذي بشره به بعد مفارقة أهله، وهو في شبابه، وكان استجابة لدعوته: {رب هب لي من الصالحين}، وهو (الذي بلغ معه السعي) وأخبر أنه هو الذبيح.

ثم تحدث عن البشارة الثانية، بعد أن انتهى من البشارة الأولى وما تبعها من أحداث، وحدده بالاسم وهو ابنه إسحاق، وهذا يدل بوضوح على أن الأول لم يكن إسحاق، وإنما كان أخاه الأكبر إسماعيل.

{وَبَشَّرْنَاهُ بِإِسْحَقَ نَبِيًّا مِّنَ الصَّالِحِينَ * وَبَارَكْنَا عَلَيْهِ وَعَلَى إِسْحَقَ وَمِن ذُرِّيَّتِهِمَا مُحْسِنٌ وَظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ مُبِينٌ}.

وإنما كان قد بشر بإسحاق في شيخوخته، كما أثبت الله ذلك في سورة هود: {قَالَتْ يَا وَيْلَتَى أَأَلِدُ وَأَنَاْ عَجُوزٌ وَهَذَا بَعْلِي شَيْخًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عَجِيبٌ}.

بلغ معه السعي

واستدل من ذهب إلى أن الذبيح هو إسحاق، بأن إسماعيل لم يكن يعيش مع أبيه، بل كان في مكة المكرمة، وأن إسحاق هو الذي بلغ مع أبيه السعي، لأنه كان يعيش معه، وأن كلمة (معه) في الآية تدل على أنه الابن الذي كان يعيش معه، والرد على ذلك من أوجه:

أولا: أن الله أثبت بلوغ السعي لإسماعيل مع أبيه، في قضية عظيمة لم يثبت مثلها لإسحاق:

{وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ}.

ثانيا: أن إسماعيل هو الذي كان يعيش في مكة وليس إسحاق، وهو المكان الذي شهد (الفداء) في منى.

ثالثا: رمي الجمرات في الحج مرتبط بحادثة الذبح، وذلك في مكة، حيث كان يعيش إسماعيل.

رابعا: إسماعيل هو الذي بلغ السعي مع أبيه، لأنه رزق به شابا فأصبح إسماعيل شابا وأبوه لايزال في شبابه، أما إسحاق فقد رزق به إبراهيم كهلا، وحين كبر إسحاق كان أبوه طاعنا، ولا يبلغان السعي معا.

بشارة كاملة

كيف يبشر الله نبيه وزوجته بابن يكون لهما منه حفيد ثم يطلب منه أن يذبحه ويكون امتحانا له!؟

قال الله تعالى في سورة هود:

{وَامْرَأَتُهُ قَآئِمَةٌ فَضَحِكَتْ فَبَشَّرْنَاهَا بِإِسْحَقَ وَمِن وَرَاء إِسْحَقَ يَعْقُوبَ}.

الاستدلال بالسنة

وردت عدة آثار في كتب الحديث عن الذبيح، تحدث بعضها عن أن الذبيح هو إسماعيل، وأكثرها صحيح السند والمتن، ووردت نصوص أخرى ضعيفة السند والمتن تنسب الأمر لإسحاق، وأكثرها روايات كعب الأحبار، كما وردت آثار حسنها بعض علماء الحديث بمناداة رسول الله بابن الذبيحين وتبسمه، فما الذي يدفعنا لترك الصحيح من الكتاب والسنة، والاستدلال بالضعيف من الآثار؟!

هل الإسلام الجديد يتطلب تعديل المفاهيم، وترجيح وجهة نظر أهل الكتاب، على وجهة نظر أقوى منها في إرثنا.

بقي أن نقول عدة أمور:

إسماعيل كان نبيا رسولا، بينما كان إسحاق نبيا فقط، سلام الله عليهما.

القرآن والسنة لم يحسما هذه المسألة بنص صريح واضح، ولو كان مما يجب علمه علينا، لبينه الله بشكل واضح.

الاختلاف في وجهات النظر، حول هذه المسألة مشروع، حتى لو كان هناك رأي راجح وآخر مرجوح لدى العلماء.

 

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.