في إحدى السنوات، دعتني إحدى المدارس، لحضور احتفالاتها بمناسبة ذكرى اليوم الوطني للإمارات، وكان موضوع بحثي وطرحي خلال الكلمة التي ألقيتها، بوصفي خبيرا بالإعلام التوعوي، حول حق الوطن في الحفاظ على أبنائه، وواجبهم في الحفاظ على أنفسهم، وأهليهم وكل من شاركهم الطريق، من حوادث السير المؤلمة، التي تنهش صحته وسلامته.
وخطر ببالي حينها سؤال، أردت أن أختبر به ذكاء البراعم والزهرات الصغار، الذين ألقوا سمعهم وبصرهم إلي، لـِمـَـا علموا من جلبي هدايا وتذكارات لهم، وفرتها جهة عملي، لدعم رسالتها الإنسانية، في توعية الجيل الصغير، على متطلبات السلامة والتوعية المرورية.
سألتهم حينها: لماذا تحبون وطنكم؟
فتدفق سيل عجيب من الإجابات، كلها أسباب وجيهة لحب هذا الوطن المعطاء، الذي ما فتئ يوفر لأبنائه كل سبل العيش الرغيد، الذي جعل هاماتهم عالية، برغم عمر الدولة الفتي، بالنسبة لدول العالم الأخرى.
ولكن الإجابة التي فاقت كل الإجابات، وكانت كعصا موسى بينها، وسلبت الأفئدة، كانت أننا يجب أن نحب الوطن لأنه الوطن، يجب أن نعشق هواه مهما كان حارا، وأن نلثم ترابه، ولو لم يكن خصبا، أن نفديه بأرواحنا، ولو لم يوفر لنا شيئا، أن نبذل نحن في سبيل رفعته وحصانته، كل غال وثمين، وأن الوطن هو أكبر أسباب حب الوطن، ألا يكفي أنه الوطن؟
وتساءلت المعلمة صاحبة الإجابة: هل علاقتنا بالوطن علاقة مصلحة؟ وهل يحق لمن ابتلي وطنه بالنكبات والكوارث، فلم يوفر لأبنائه شيئا، أن يبغض وطنه، لأن علة الحب والوفاء والولاء ذهبت، مع ذهاب الفائدة؟!
حينها سار خاطري للوراء أكثر من ألف عام، حتى وضع خاطري رحاله تحت قدمـَـي رسول الله محمد صلى الله عليه وآله وسلم، يقبل التراب تحت رجليه ليرقبه وهو يغادر مكة المكرمة طريدا مهاجرا، فيلتفت إلى وطنه (مكة) قائلا: (واللهِ إني لأَخرجُ منكِ وإني لأعلمُ أنك أحبّ بلادِ اللهِ إلى اللهِ، وأكرمـُهُ على اللهِ؛ ولولا أهلكِ أخرجُوني منك ما خَرجتُ)، حتى جاءته البشرى من ربه بالعودة: {إن الذي فرض عليك القرآن لرادك إلى معاد}.
ألا يحق لوطننا أن نحفظ أنفسنا، ونحفظ غيرنا، من سفك دمائنا، على طرقاته، نتيجة الحوادث المرورية، التي تكون سببا مباشرا لقيادتنا مركباتنا، بعيدا عن مراعاة الوطن.