من أراد التأكد فليسأل الطبيب

Albaaj104 نوفمبر 2024آخر تحديث :

عند مغيب الشمس، صعدنا الحافلات المكيفة الراقية، التي تفوق في رفاهيتها رفاهية المركبة، لقدرة الراكب على التحرك فيها، والقيام والقعود متى شاء.

وعندما أذن العشاء، أدركنا أن تلك الحافلة، لا تسمن ولا تغني من جوع، وأنها لم تغادر الأرض التي كانت مستقرة عليها، إلا بضعة أمتار.

تيقنا حينها، أن وسيلة المواصلات تلك، لم تعد مفيدة، إلا لمن أراد أن يقضي ليلته فيها، حتى يحل الصباح، فتجد الحافلة فسحة لها للانطلاق، وعندها تكون (الطيور قد طارت بأرزاقها).

كان ذلك اليوم، هو اليوم الذي أدركت فيه عملياً، أن الأقدام هي أقدم وسيلة تنقل عرفها الإنسان، وأنها لا تزال أحدث وسيلة تنقل، حينما تعجز الوسائل الأخرى، أو حينما نريد أن نعيد الحيوية لأجسادنا.

كان ذلك اليوم هو مساء يوم عرفات، منذ سنوات عدة، حينها دعوت أصحابي للترجل، فمنهم من تشجع، ومنهم من جاملنا، فسرنا وأدينا مناسكنا، وبتنا نصف ليلة في مزدلفة، ورمينا الجمرات، ومنا من قصر ومنا من حلق، وطفنا بالبيت العتيق، وسعينا بين الصفا والمروة، وصلينا العيد، وعدنا إلى مساكننا، ولم يصل بعد زملاؤنا، الذين آثروا البقاء في الحافلة، حتى تصل بهم صباحاً، ليبدؤوا مناسكهم.

بعد أيام من انقضاء الحج، عدنا بمركباتنا لتقصي المسافة، التي سرناها على أقدامنا، لنجدها 20 كيلومتراً، توزعت بين كيلومترين بين جبل الرحمة ومسجد نمرة، و6 كيلومترات حتى بداية مزدلفة من جهة عرفات، التي سرنا فيها 4 كيلومترات، حتى وصلنا منى، وغادرناها بعد مسيرنا 4 كيلومترات، ومشينا مثلها، حتى وصلنا البيت الحرام.

عندما اضطررنا سرنا هذه المسافات كلها، في ليلة واحدة، على سهر وتعب وإرهاق، وفي ثياب الإحرام، وفي زحام شديد، ولم نزدد في اليوم الثاني إلا قوة ونشاطاً وحيوية، بعد أن عوضنا أجسامنا، ما فاتها من النوم والراحة، فما بالنا في بلادنا، يسوؤنا أن نوقف المركبة، على بعد أمتار من وجهتنا، حتى أننا نزاحم المعوقين في مواقفهم القريبة من مراكز التسوق، والأماكن العامة، وربما اخترنا الرصيف موقفاً، ولا نرضى إلا أن نبجل المركبة، فندخلها إلى أقرب نقطة من سلم المنزل، ولو استطعنا لربما صعدنا بها إلى غرف النوم.

تعلمت عملياً بعد درس السير في الحج، أن إيقاف المركبة في الموقف البعيد، خير من إيقافها في الموقف القريب، ومن أراد أن يتأكد، فليسأل الطبيب.

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.