تملكتني حالة دهشة، من نتائج قلة وعي أحد السائقين، الذي استنكر الجهود التي يبذلها المختصون، ضمن حملة سلامة الطلاب، أيام الامتحانات، مؤكداً أن الطريق هو الطريق، والطلاب هم الطلاب، والسائقين هم السائقون، فما الجديد أيام الامتحانات.
ثم أبدى صاحبي استنكاراً عارماً، حين قلت له: إننا ندعو لمراعاة الحالة النفسية للطريق، وسألته: هل حدث يوماً، أن انطلقت في رحلة إلى العمل أو المنزل، ولم تدر بنفسك إلا وأنت في نقطة النهاية، دون أن تعي كيف حدث الأمر؟ وكيف كنت تقود المركبة؟ ومن مررت به؟ ومن مر بك؟ بل وكيف كنت تقف عند الإشارة المرورية الحمراء؟ وتنطلق حين تصبح خضراء؟ فصدق قولي كله، ملقياً سمعه، وقلبه لسماع المزيد، فقلت له: هذه القيادة للمركبة، هي ما يقلقنا عموماً، ويزداد قلقنا أيام الامتحانات، لأننا نقود مركباتنا في كثير من الأحيان، بوعينا الداخلي المبرمج مسبقاً، حتى أننا نتندر ونقول: المركبة تعرف طريقها، ولكن تعرف طريقها المعتاد، ولا تدرك التغيرات التي تحدث سريعاً في الطريق، وهو ما يؤدي في بعض الأحيان، إلى وقوع حادث مروري، نتيجة وقوع حادث مروري قبله.
تعودنا في الطريق أن نخفف السرعة صباحاً، عند العبور قرب المدارس، وظهراً عند المغادرة.
وتعودنا أن نسير ـ براحتنا ـ لو مررنا قرب هذه المدارس، ساعات الضحى، وكأنه ليست هناك مدرسة، وليس هناك طلاب، فقد أحكمت الدروس إغلاق الأبواب عليهم، ومن تسرب توارى باستحياء، حتى كأننا لا نراه.
وتعود الطلبة في الأيام العادية، استخدام وسائل مواصلات منتظمة، كالحافلة المدرسية، أو مركبة العائلة، وربما السير على الأقدام، والتنقل من رصيف إلى رصيف، ربما دون انتباه أحياناً، لأن الطريق كله مشغول بهم صباحاً ـ ظهراً مراعياً لتنقلاتهم.
في أيام الامتحانات، تتغير المعادلة، فيخرج الطلاب من مدارسهم، في غير الوقت المعتاد، وربما وقت الضحى، ليجدوا شركاء طريق، لم يألفوا التعايش معهم، وليجد السائقون حالة في الطريق، لم يألفوها في مثل هذا الوقت.
وفي هذه الأثناء لا يرحل الطلاب إلى بيوتهم مباشرة، بل يقضون بعض الوقت في الطريق، انتظاراً لاكتمال النصاب، أو وصول وسيلة المواصلات، أو لاستكمال حواراتهم حول الامتحان.
وفي هذه الأثناء، ينخفض التركيز لدى الطلاب، والتدقيق في الطريق، الذي لا يكون آمناً لهم، كعادته، فيقتحمون الطريق، دون انتباه ودون تقدير، منتظرين أن نكون نحن من يقدر، وأن نراعي الحالة النفسية للطريق، والحالة النفسية لفلذات أكبادنا المنتشرة عليه، بعد أداء امتحان لا ندري بعثراته، وتأثيرها فيهم.