لا تقل: جاء نفس الرجل.
وقل: جاء الرجل نفسه وعينه وذاته.
في لغة العرب تؤدي المعنى الواحدَ ألفاظـٌ كثيرة، ويحمل اللفظ الواحد معاني كثيرة أيضا.
وفي لغة العرب أيضا، لا يوجد تطابق مطلق لمعنيي لفظين، فلكل لفظ معنى، وإن تقاربت المعاني.
وفي تلك اللغة العظيمة أيضا، يؤدي اللفظ معاني مختلفة، وهو في الموضع نفسه، ويدل على ذلك سياق الكلام وقرائنه، فكيف إذا تغير موضعه، كما في حالتنا هذه.
فكلمة (نفس) حين تتقدم في الكلام، وتكون مضافة إلى ما بعدها، يكون لها معنى يختلف عنها حين تأتي تأكيدا لما قبلها.
فالنفس في كلام العرب على معاني أحدها: نفس فلان أي روحه، وفي نفس فلان أي في روعه، ويكون في النفس معنى جملة الشيء وحقيقته، مثل أن تقول: فلان أهلك نفسه، والجمع من كل ذلك أنفس ونفوس.
قال الله تعالى: {أن تقول نفس يا حسرتا على ما فرطت في جنب الله}.
وقال تعالى: {وَاتَّقُواْ يَوْماً لاَّ تَجْزِي نَفْسٌ عَن نَّفْسٍ شَيْئاً وَلاَ يُقْبَلُ مِنْهَا شَفَاعَةٌ وَلاَ يُؤْخَذُ مِنْهَا عَدْلٌ وَلاَ هُمْ يُنصَرُونَ}.
أما عندما نريد أن نستخدم لفظة (نفس) للتوكيد، فإن معناها يختلف، ومحلها في الجملة يختلف، ولا يحمل لفظ التوكيد أي معنى، من المعنى الأصيل للنفس، ومثلها العين، والذات، فنقول: جاء الرجل نفسه، وزرت المدينة عينها، وسافرت بالطائرة ذاتها، ولا نقول – للتوكيد – جاء نفس الرجل، وزرت عين المدينة، وسافرت بذات الطيارة.
وللنفس معاني كثيرة في اللغة، نذكر منها خروج الهواء من الأنف والفم، والجمع أنفاس، وكل تروح بين شربتين نفس، وتنفس الصعداء.
وفي الحديث نهى النبي عن التنفس في الإناء، وفي حديث آخر أنه كان يتنفس في الإناء ثلاثا، يعني في الشرب، والحديثان صحيحان، والتنفس له معنيان متضادان: أحدهما أن يشرب وهو يتنفس في الإناء، دون أن يبعده عن فمه، وهو مكروه، والتنفس الآخر أن يشرب الماء من الإناء، بثلاثة أنفاس، يبعد خلاله فمه عن الإناء في كل نفس، وهو السنة.