لا يجب أم لا يجوز؟
عندما يعتاد الناس الوقوع في الخطأ، ويجري على ألسنتهم مجرى الصواب، تفسد سليقتهم، ويظنون الحق باطلا، والباطل حقا.
ومما جرى على ألسنة المتنفذين، على بوابات الكلام والثقافة، عدم التفريق بين الواجب والجائز، والمستحب والمكروه، وربما استفحل الداءُ، فيصبح الحرام حلالا، والحلال حراما.
فعندما يتكلم أحدهم عن عدم جواز أمر ما، وعدم صحة الوقوع به، ينفي عنه صفة الوجوب، بدلا من نفي صفة الصحة، فيصبح الكلام ملتبسا، ومعناه مختلفا.
ومما قالوا: لا يجب أن يتأخر الموظف عن موعد دوامه، ولا يجب أن يعق الابن أباه، ولا يجب أن يتقاعس الطالب عن حل واجباته، ومعنى هذا كله أنه يحق للموظف أن يتأخر عن دوامه، ولكن ذلك ليس واجبا عليه، فهو مخير بين التأخر، والحضور في الوقت المحدد، وليس واجبا أن يعق الابن أباه، وإنما هو جائز، إن شاء عقه، وإن شاء لم يعقه، وليس واجبا أن يتقاعس الطالب، عن حل واجباته، فهو مخير: إن شاء تقاعس، وإن شاء لم يتقاعس.
وكان يجب أن يقول القائل: لا يجوز أن يتأخر الموظف، عن موعد دوامه، ولا يجوز أن يعق الابن أباه، ولا يجوز أن يتقاعس الطالب، عن حل واجباته، وإذا أراد استخدام معنى الوجوب والالتزام، كان الأولى أن يوجب النفي بقوله: يجب على الموظف ألا يتأخر، عن موعد دوامه، ويجب على الابن، ألا يعق أباه، ويجب على الطالب، إلا يتقاعس، عن حل واجباته.
أما إذا أردنا نفي الوجوب باستخدام صحيح، فإنه يجب أن يقع على أمر مباح، ربما كان في فعله استحبابا، كقولنا: لا يجب على الموظف، أن يحضر إلى دوامه، قبل وقته، ولا يجب عليه أن يبقى في العمل، بعد انتهاء الوقت، ولكنه لو فعلهما، لكان فعله حسنا، لمصلحة عمله.