طالما ومادام
لا يشك عربي سليمُ السليقة، أن اسْتِعْمَال (طالما)، مكان (مادام)، خطأ يحرف الجملة عن معناها.
ولكي ندرك سبب امتناع استعمال لفظ مكان لفظ، لا بد أن نعرف معنى كل منهما، ودلالاته، وتعذر تحقيقه المعنى، الذي يؤديه اللفظ الذي حل مكانه.
ففي قولنا: (سنعمل ما دمنا نملك الجهد)، استخدمنا ما المصدرية الظرفية، فحققنا معنى الشرط، ليكون استمرار العمل، مشروطا بتملك الجهد.
أما (طالما) فهي مكونة من: (طال)، و(ما) الزائدة الكافة، فالفعل فيها، لا فاعل له، إذ أن الكافة، هي العوض عن الفاعل.
ولا تدل (طالما) على معنى المصدرية الظرفية، بل تدل على طول حدوث الأمر، أو تكراره كثيرًا.
قال ابن زيدون:
لا تحسبوا نأيكم عنا يغيّرنا /// إذ طالما غيّر النأيُ المحبينا
وتأتي طالما بزيادة لام التوكيد قبلها، كما قال الفرزدق:
لعمري لئن قيدت نفسي لطالما /// سعيت وأوضعت المطية للجهل
ويجوز أن يسبق طالما يا النداء، كما ورد في شعر عنترة العبسي:
فَيا طالَما مازَحتُ فيها عُبَيلَةً /// وَمازَحَني فيها الغَزالُ المُغَنَّجُ
وتكتب (طالما)، ومثلها (قلما)، كلمة واحدة، فإذا فصلنا بين (طال)، و(ما)، وقلنا: طال ما سافرنا، فإن (ما) تُعرب فاعلاً في محل رفع.
أما (ما دام) فهي تفيد استمرارية الحدث، ويكون ما قبلها مرتبطًا بما بعدها، وقد تكرر استخدامها كثيرا في القرآن والسنة ولغة العرب.
قال الله تعالى: {وأوصاني بالصلاة والزكاة ما دمت حيا}.
وقال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (والملائكةُ تصلي على أحدِكم ما دام في مصلاه الذي يصلي فيه).
وقال ابن الرومي:
وأعذرُه ما دام للعذر موضعٌ /// وأنظرُه ما دامت النفسُ تنظر
وتعرب (ما) في (مادام) مصدرية ظرفية، ومعنى مصدرية، أنها تجعل ما بعدها في تأويل مصدر، ومعنى أنها ظرفية، أنها نائبة عن المفعول فيه، وهو (المدّة).
و(دام) لا تعمل إلا إذا سبقتها (ما)، وإعرابها: فعل ماض ناقص.