على الرغم من اجتهاد علماء الحديث في موضوع الإسناد، وحرصهم على أن يكون نقيا صافيا، لا تخالطه شبهات فقد اجتهدوا أيضا في دراسة المتن، بما لا يتعارض مع الإيمان والتسليم، وكان من أهم معاييرهم أنه لا تعارض بين العقل والنقل، ضمن عدد من المبادئ منها:
- لا تعارض بين العقل والنقل، فإذا صح النقل عن الله ورسوله، فإن العقل لا بد أن يتوافق معه، فإذا لم يتوافق فذلك لعجزه وضعفه.
- العقل هو أحد أهم المعايير التي يتوصل من خلالها علماء الحديث إلى صحة نسبة الحديث لرسول الله، وذلك بإعماله في صحة السند أولا، ثم صحة المتن لغويا وأدبيا ومعنى، ثم عدم تعارض المتن مع مسلمات الدين، ثم عدم تعارضه مع مسلمات الكون والخـَلـْـق، ثم عدم تضاربه مع مسلمات العلم، وعدم تعارضه مع مسلمات الأخلاق.
- العقل الذي لا يتعارض مع النقل، هو العقل الشامل المؤمن بالله ورسوله، وليس العقل المحدود العاجز، الذي يزداد قدرة بزيادة المعرفة، لأن التسليم بغير ذلك يعني أن مستوى عقل كل إنسان، هو الذي يحدد درجة إيمانه وقبوله لما يأتي من عند الله ورسوله، فيكون الجاهل غير مطالب بالإيمان، وهذا يتعارض مع حقيقة الإيمان.
- العقل الذي نتلقى به أوامر الله ورسوله ليس عقل بني إسرائيل الذين قالوا: {سمعنا وعصينا}.
- العقل الذي نحكم به على النصوص، ليس كعقل كفار قريش الذين قالوا متعجبين: {أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ}!
- العقل الذي نحكم به على النصوص هو عقل أبي بكر، في قصة الإسراء والمعراج.
- العقل الذي نحكم به على النصوص هو عقل الصحابة، الذين رفضوا أن يلقوا أنفسهم في النار، بناء على أمر أميرهم.
- الإيمان بالله هو العقل الذي يحكم به المسلم على الغيبيات، وليس العقل العاجز عن تجاوز حدوده، لأن كل أمور الغيب فوق حدود العقل.
- إذا صح الحديث عن رسول الله، فهو الحق المبين، الذي لا يخالطه باطل، لأنه صلى الله عليه وآله وسلم، لا ينطق عن الهوى.
- الحكم على صحة نسبة الحديث لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، يخضع لمعايير وضوابط صارمة جدا، لا تخضع لأهواء العوام، والجهال بعلم الحديث، وأمزجتهم، ورغباتهم، وشهواتهم.
- يعد نوعا من الزندقة رفض العوام والجهال للحديث النبوي، بناء على أهوائهم الشخصية وجهالاتهم، وحجتهم بأنهم غير مقتنعين بهذا الحديث، بعد أن أجمع علماء الحديث أو أكثرهم، على صحته وربما على تواتره.
- العقل الذي نتلقى به أوامر الله ورسوله هو عقل إبراهيم وابنه إسماعيل عليهما السلام حين قال: {يا أبتِ افعل ما تؤمر}.
- الثقة الزائدة بالنفس عن الحد المنطقي في تحكيم العقل بالنصوص قد تؤدي إلى المهالك: {إِنَّهُ فَكَّرَ وَقَدَّرَ* فَقُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ * ثُمَّ قُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ * ثُمَّ نَظَرَ * ثُمَّ عَبَسَ وَبَسَرَ * ثُمَّ أَدْبَرَ وَاسْتَكْبَرَ * فَقَالَ إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ يُؤْثَرُ * إِنْ هَذَا إِلَّا قَوْلُ الْبَشَرِ}. (25). المدثر.
- العقل الواعي المؤمن يدرك أن كل ما جاء من عند الله ورسوله هو الحق المطلق، لا يخالطه خطأ أو سوء أبدا.
- التعامل مع الأحاديث، التي تحمل دلالات ومؤشرات علمية يكون بتسليم وإيمان، وعدم انتظار الدليل العلمي، لأن ذلك يصبح إيمانا بالعلم، لا إيمانا بالله ورسوله، ولا يكون هناك فرق بين إيماننا وإيمان البوذيين والهندوس وغيرهم بالمسألة العلمية.
- العقل المؤمن لا يطالب الله بدليل علمي على ما يقول، ولكن ظهور دليل علمي يساعد المؤمن على زيادة اليقين والثبات، والدعوة إلى الله.