عند الحديث عن حكم إقامة جماعة ثانية في المسجد، فإنه ينصب على الجماعة الثانية، في المسجد الذي فيه إمام راتب، ومأمومون راتبون، ويكون عادة في المدن والقرى، وما على شاكلتها.
أولا: الجماعة الثانية المتفق على جوازها.
ثانيا: الجماعة الثانية المتفق على عدم جوازها.
ثالثا: العاملون والمفتون باستحباب إقامة الجماعة الثانية.
رابعا: غير العاملين وغير المفتين باستحباب إقامة الجماعة الثانية.
خامسا: أدلة الجواز واستحباب إقامة الجماعة الثانية في المسجد.
سادسا: الرد على أدلة مجيزي إقامة الجماعة الثانية في المسجد.
سابعا: أدلة الكراهة وعدم استحباب إقامة الجماعة الثانية في المسجد.
ثامنا: الخلاصة.
أولا: الجماعة الثانية في المسجد المتفق على جوازها:
يجوز إقامة الجماعة، بعد الجماعة الأولى، باتفاق العلماء، في حالات منها:
- في أي مكان مهيئ للصلاة خارج المسجد، كالبيوت والساحات، وخارج المساجد، وغيرها.
- في المصليات، والأماكن المعدة للصلاة، دون أن تكون معدة لإقامة الجماعة الراتبة.
- في المساجد التي ليس فيها إمام راتب، ولا مأمومون راتبون، فكلما حضرت جماعة صلت مجتمعة.
- في المساجد التي تكون على طرقات السفر، فكلما حضرت جماعة، وتوقفت فيها، جاز لها أن تقيم جماعة جديدة.
- في المساجد التي تكون في الأسواق دون إمام راتب، ولا تتسع لجميع المصلين في السوق، فكلما حضرت جماعة من المتسوقين أو الباعة، جاز لها أن تقيم جماعة جديدة.
- المسجد الذي صلى فيه أولا غيرُ أهله جماعة، ثم جاء الإمام الراتب بعدهم، ومعه جماعة المسجد، فله أن يصلي بهم الجماعة الأصلية، مع كراهة الجماعة الأولى في هذه الحالة، إذا كانت دون إذن الإمام الراتب.
- المسافرون الذي يقصرون ويجمعون، ويريدون صلاة الفريضة الأخرى جمعا، بعد انتهاء الجماعة، من الفريضة الحاضرة.
ثانيا: الجماعة الثانية في المسجد المتفق على إنكارها:
لا يجوز إقامة الجماعة، بعد الجماعة الأولى، في المساجد ذات الإمام الراتب، والمأمومين الراتبين، باتفاق العلماء في حالات منها:
- تعمد التهاون والتساهل، وتجاهل الجماعة الأولى عمدا.
- رفض الجماعة الأولى وإمامها، وتعمد إقامة جماعة ثانية.
- إقامة جماعة ثانية في وقت الجماعة الأولى.
- إذا أصبحت الجماعة الثانية جماعة راتبة، كالجماعة الأولى، متحققة بالضرورة.
- إذا كانت الجماعة الثانية باتفاق بين أصحابها.
- تعدد الجماعات حسب تعدد المذاهب.
- إقامة جماعة أخرى قبل الجماعة الأولى، دون إذن من الإمام الراتب، إمام الجماعة الراتبة، إلا إذا كان غائبا، وكان أصحاب الجماعة الطارئة مضطرين للسفر أو غيره.
- أن يصلي بالناس جاهل، بأمور الصلاة والتلاوة، فيقع بأخطاء قد تفسد الصلاة.
- إعادة الإمام نفسه، لصلاة الجماعة، مرة أخرى، مجاملة لوجيه، أو ذي شأن.
- الجماعات الثانية خارج المساجد، إذا أدت إلى تعطيل الجماعة الأولى، في المساجد.
- الجماعة الثانية، التي تكون في الوقت، الذي يصلي فيه الإمام الراتب والمصلون الراتبون جماعة أخرى، كصلاة العشاء جماعة، وقت صلاة التراويح.
- إقامة جماعة ثانية في الحرمين الشريفين في مكة والمدينة.
ثالثا: العاملون والمفتون باستحباب إقامة الجماعة الثانية في المسجد:
سنكتفي بالاحتجاج بمجيزي إقامة الجماعة الثانية بالسابقين الأولين، ومن تبعهم، دون التطرق لمن تبع منهجهم فيما بعد:
- الإمام أحمد بن حنبل في أحد قوليه.
- بعض الصحابة والتابعين، كأنس، وعطاء، وقتادة، وبعضهم في أحد أقوالهم، كرواية عن الحسن والنخعي، وروي عن أشعث عن الحسن، أنه كان لا يرى بأساً أن تصلّى الجماعة بعد الجماعة في مسجد الكلاّءِ بالبصرة، والكلاء مرفأ السفن.
رابعا: غير العاملين وغير المفتين بإقامة الجماعة الثانية في المسجد:
- فعل الصحابة رضي الله عنهم.
- الأئمة أبو حنيفة النعمان، ومالك بن أنس، ومحمد بن إدريس الشافعي.
- الإمام أحمد بن حنبل في أحد قوليه، حيث روى أبو داود السجستاني، عنه في كتاب: (مسائل الإمام أحمد)، قوله: (إن تكرار الجماعة في المسجدين الحرمين أشد كراهة)، وهذا يعني كراهتها في المساجد الأخرى أيضا.
- معظم التابعين ومن تبعهم، ونافع مولى ابن عمر، وسالم بن عبد الله، ومنهم الحسن البصري، وأبو قلابة، والقاسم بن محمد، وإبراهيم النخعي، والثوري، وعبد الرزاق، وابن أبي شيبة، ووكيع، وابن المبارك، وسالم، والليث بن سعد، والأوزاعي.
خامسا: أدلة جواز إقامة الجماعة الثانية في المسجد:
استدل من يجيز إقامة جماعة ثانية في المسجد الراتب، بفهمهم لأحاديث نبوية شريفة صحيحة، إضافة إلى ما يعدونه مصالح مرسلة، ومنها:
- ثبت عن النبي عليه الصلاة والسلام أن رجلاً دخل فأراد أن يصلى وحده فقال النبي عليه الصلاة والسلام: (ألا رجل يتصدق على هذا فيصلي معه)، فقام معه أحد الصحابة، وهذا دليل على أن الجماعة بعد الجماعة مشروعة، لأمر النبي صلى الله عليه وسلم بها.
- حديث رسول الله: (صلاة الرجل مع الرجل أزكى عند الله من صلاته وحده، وصلاة الرجل مع رجلين أزكى عند الله، من صلاته مع رجل)، وفي ذلك حث على إقامة الجماعة، دون تحديد عدد الجماعات، والـ في الجماعة عندهم للشمول والنوع، وليست للعهد.
- روى البخاري أن أنسا جاء إلى مسجد قد صُلي فيه فأذّن وأقام وصلّى جماعة.
- روى البخاري (أن عُمَر بن الخطابِ رضي الله عنه خرج ليلة في رمضانَ إلى المسجدِ، فإذا الناسُ أوْزاعٌ مُتَفَرِّقونَ، يُصلي الرجلُ لنفسهِ، ويُصلي الرجلُ فيصلي بصلاتهِ الرهطُ، فقال عُمرُ: إني أرى لو جمعتُ هؤلاءِ على قارئٍ واحدٍ لكان أمثلَ، ثم عزمَ فجمعهم على أُبَيِّ بن كعبٍ)، وهذا دليل على جواز جمع الناس، في صلاة جماعة، غير الصلوات الراتبة في المسجد.
- حديث (صلاة الجماعة تفضل صلاة الفذ بسبع وعشرين درجة): فهذه الفضيلة لصلاة الجماعة عامة، وليس للجماعة الأولى فقط، والـ في الجماعة للجنس والنوع والشمول، وليس للعهد الذي في الأذهان، وهذا يدل فضل الجماعة، والحرص على عدم فواتها، والحرص على أن ينال الناس أجر الجماعة.
- فضل الجماعة، والحرص على عدم فواتها، والحرص على أن ينال الناس أجر الجماعة، يستدعي التساهل مع الجماعة الثانية والثالثة وغيرها، لينال الجميع أجر الجماعة.
سادسا: الرد على أدلة جواز إقامة الجماعة الثانية في المسجد:
رد من لا يرى مشروعية إقامة جماعة ثانية في المسجد الراتب، بفهمهم للأحاديث النبوية، التي احتج بها المجيزون نفسها.
- ثبت عن النبي عليه الصلاة والسلام، أن رجلاً دخل فأراد أن يصلى وحده، فقال النبي عليه الصلاة والسلام: (ألا رجل يتصدق على هذا فيصلي معه).
- هذا دليل على جواز اختلاف نية الإمام والمأموم، في النافلة والفريضة، وليس دليلا على جواز إقامة الجماعة الثانية، ودليل على جواز أن يلتحق المأمون، الذي دخل المسجد متأخرا، عن صلاة العشاء في رمضان، بالإمام، الذي يصلي التروايح، وينوي هو الفريضة.
- هذه حالة فردية خاصة بهذا الرجل، لتشريع اختلاف النية في الصلاة، وربما لأسباب أخرى، لم تبلغنا.
- لا يصح التماثل والتطابق مع هذه الحالة، إلا أن يصلي بالمتخلفين عن الجماعة الأولى، رجل من مؤدي صلاة الجماعة، ليصح أن يتصدق عليهم.
- سماها رسول الله صدقة، والأصل أن صلاة الجماعة ليست صدقة، من أحد على أحد، وإنما إمام ومأموم أو أكثر، وإلا من سيتصدق على مـَنْ؟ مـِنَ المتخلفين عن صلاة الجماعة؟!
- لعل القادم، الذي سماه الرسول (هذا) كان غريبا، ولا يتقن الصلاة، فأراد رسول الله، أن يصلي به أحد أصحابه، ليصلي به صلاة صحيحة، ويعلمه الصلاة.
- قال الرسول عن تلك الصلاة (فيصلي معه) ولم يقل (جماعة)، ولو كان يقصد بها الجماعة، لبين أجرها العظيم، الذي يفوق أجر تلك الصدقة.
- كان هذا الحدث في مسجد رسول الله، والعلماء الذين أباحوا الجماعة الثانية، متفقون على كراهتها في الحرمين، فلو صح هذا الدليل، وكانت هذه جماعة ثانية في مسجد رسول الله، في عهده، وهو الإمام الأول، لكان من الأولى، ألا تكون مكروهة في مسجده من بعده.
- هذه الجماعة الثانية هي جماعة تنفل، وليست جماعة فريضة، لأن أحد طرفيها كان متنفلا، وهو المتصدق على صاحب الفريضة.
- لو كان هذا الحديث دليلا على جواز الجماعة الثانية، لكان أصحاب رسول الله أسبق لذلك، ولكنهم فهموا غير ذلك، وفهم أصحاب رسول الله وعملهم هو الفيصل في الفهم الصحيح للحديث، وصحة الاستدلال به، فهم خير الأمة، وخير من فهم الدين، وتلقاه عن رسول الله.
- ورد في بعض رواياته: “فانصرف كي يصلي وحده”، وفي هذا إشارة إلى أن المعهود عند الصحابة، أن من فاتته الجماعة صلى وحده، ولم يكن أمر رسول الله هذا لأحدهم بالصلاة معه تغييرا في التشريع، وإلا لكانوا غيروا هذا المعهود، وصلوا جماعات أخرى، بعد ذلك، وهو ما لم يفعلوه.
- حديث: (صلاة الرجل مع الرجل أزكى عند الله من صلاته وحده، وصلاة الرجل مع رجلين أزكى عند الله من صلاته مع رجل)، وهكذا كلما كثرت الجماعة وأفرادها، تضاعف أجرها عند ربها، وفتح باب الجماعة لجماعة ثانية وثالثة ورابعة، يقلل من عدد أفراد الجماعة الأولى.
- روى البخاري (أن أنسا جاء إلى مسجد قد صُلي فيه فأذّن وأقام وصلّى جماعة). والأرجح أن تكون صلاة أنس هذه، في مسجد طريق، وليس في مسجد في المدينة، والدليل على ذلك إعادته الأذان والإقامة، والعلماء المجيزون للجماعة الثانية، متفقون على عدم جواز إعادة الأذان لها، كما أن حديث أنس يتعارض مع فعل الصحابة الآخرين، وما صح عمن هم أفقه منه، وأقرب لرسول الله في ذلك، ومنهم عبد الله بن مسعود.
- روى البخاري أن عُمَر بن الخطابِ رضي الله عنه خرج ليلة في رمضانَ إلى المسجدِ، فإذا الناسُ أوْزاعٌ مُتَفَرِّقونَ، يُصلي الرجلُ لنفسهِ، ويُصلي الرجلُ فيصلي بصلاتهِ الرهطُ، فقال عُمرُ: إني أرى لو جمعتُ هؤلاءِ على قارئٍ واحدٍ لكان أمثلَ، ثم عزمَ فجمعهم على أُبَيِّ بن كعبٍ)، وهذا حجة على عدم استحباب إنشاء أكثر من جماعة، وليس العكس، فمع أنهم كانوا يصلون نافلة، فقد رأى عمر ـ وأقره على ذلك أصحاب رسول الله ـ أنهم يجب أن يكونوا في جماعة واحدة فقط.
- حديث (صلاة الجماعة تفضل صلاة الفذ بسبع وعشرين درجة): فهذه الفضيلة إنما جاءت لصلاة الجماعة، وليس لأي جماعة والـ في الجماعة للعهد، الذي في الأذهان، وليس للنوع.
- فضل الجماعة، والحرص على عدم فواتها، والحرص على أن ينال الناس أجر الجماعة، يستدعي إقامتها في وقتها، وعدم تشتيت المصلين، وعدم تفريق جمعهم، وعدم التفريط بشعيرة الجماعة، بها حسب الأهواء.
سابعا: أدلة عدم جواز إقامة الجماعة الثانية في المسجد:
استدل من لا يرى مشروعية إقامة جماعة ثانية في المسجد الراتب، بفهمهم لأحاديث نبوية ونصوص وأدلة عقلية أخرى، وذلك بعد الرد على أقوى أدلة إجازة الجماعة الثانية:
- إذا كان الله لم يشرع الجماعة الثانية في الحرب، والمسلمون بأمس الحاجة لها، فهذا يدل على عدم وجود أي مسوغ لمشروعيتها، فيما سوى ذلك من الظروف: {فَلْتَقُمْ طَآئِفَةٌ مِّنْهُم مَّعَكَ وَلْيَأْخُذُواْ أَسْلِحَتَهُمْ فَإِذَا سَجَدُواْ فَلْيَكُونُواْ مِن وَرَآئِكُمْ وَلْتَأْتِ طَآئِفَةٌ أُخْرَى لَمْ يُصَلُّواْ فَلْيُصَلُّواْ مَعَكَ وَلْيَأْخُذُواْ حِذْرَهُمْ وَأَسْلِحَتَهُمْ}.
- النبي صلى الله عليه وسلم، ظل طيلة حياته يصلي بالناس جماعة، في مسجده، ومع ذلك فقد ثبت أن الفرد من أصحابه، كان إذا حضر المسجد، وقد فاتته الجماعة صلى وحده.
- روى الهيثمي، أنَّ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أقبَل مِن نواحي المدينةِ يُريدُ الصَّلاةَ فوجَد النَّاسَ قد صلَّوْا فمال إلى منزِلِه فجمَع أهلَه فصلَّى بهم)، فلو كانت الجماعة الثانية مشروعة فهو أحق الناس بها، خاصة أنه بين أن صلاة الفريضة في المسجد، خير من صلاتها في البيت، فترتب على فعله صلى الله عليه وسلم، ان صلاتها في البيت في جماعة ثانية، خير من صلاتها في المسجد مفردا، أو في جماعة ثانية، ولا شك أنه لم يكن في نواحي المدينة وحده، بل كان معه نفر من أصحابه، ومع ذلك لم يجمعهم في المسجد ليصلي بهم.
- فعل أصحاب رسول الله، فقد ثبت أن الصحابة كانوا إذا فاتتهم صلاة مع الجماعة، صلوا فرادى، في عهده وبعده.
- لم يكن السلف يصلون في جماعة ثانية في المسجد، فإذا دخل أحدهم المسجد، ووجد الناس قد صلوا صلى وحده، وهذا ما صرح به الإمام الشافعي في كتابه: (الأم): (وإذا دخل جماعة المسجد، فوجدوا الإمام قد صلى صلوا فرادى، فإن صلوا جماعة أجزأتهم صلاتهم، ولكني أكره لهم ذلك، لأنه لم يكن من أحوال السلف).
- روى الإمام الطبراني، في (معجمه الكبير)، عن ابن مسعود أنه خرج مع صاحبين له، من بيته الى المسجد لصلاة الجماعة، وإذا به يرى الناس يخرجون من المسجد، وقد انتهوا منها، فعاد وصلى بهما إماما في بيته.
- عن عطاءِ بنِ أبي رباحٍ قالَ: صلَّى بنا ابنُ الزُّبيرِ في يومِ عيدٍ في يومِ جمعةٍ أوَّلَ النَّهارِ ثمَّ رحنا إلى الجمعةِ فلم يخرج إلينا فصلَّينا وحدانًا وَكانَ ابنُ عبَّاسٍ بالطَّائفِ فلمَّا قدمَ ذَكرنا ذلِكَ لَهُ فقالَ أصابَ السُّنَّة)، فها هم السابقون الأولون، حين أدركوا أن ابن الزبير يرى أن صلاة العيد تغني عن الجمعة، وحلت محلها، لم يتبادر إلى أذهانهم، أنهم يحق لهم أن يصلوا صلاة (الظهر) جماعة بعده، وصلوها فرادى.
- قول رسول الله: (إذا أتيتم الصلاة فأتوها وعليكم السكينة والوقار، ولا تأتوها وأنتم تسعون، فما أدركتم فصلوا، وما فاتكم فأتموا)، ولم يقل فصلوا جماعة ثانية، ولا انتظروا حتى يأتي إمام آخر، لتدركوا معه الصلاة تامة.
- قول الرسول: (من توضأ في بيته فأحسن وضوءه، ثم أتى مسجد الجماعة، فوجد الناس قد صلوا، كتب الله له مثل أجر صلاتهم، دون أن ينقص أجورهم شيء)، فلو كانت الجماعة الثانية مشروعة، لما أغلق الرسول بابها بقوله: (فوجد الناس قد صلوا)، فالمتخلف عن الجماعة، إما أن يكون مقصرا، فلا يكافأ المقصر، بإنشاء جماعات جديدة له، وإما معذورا، فقد نال أجر الجماعة، وليس بحاجة لإنشاء جماعة جديدة.
- روى أبو داوود أن رسول الله قال: (أعجبَني أن تَكونَ صلاةُ المسلمينَ ـ أو قالَ: المؤمنينَ ـ واحدةً حتَّى لقد هَممتُ أن أبثَّ رجالًا في الدُّورِ يُنادونَ النَّاسَ بحينِ الصَّلاةِ)، وإجازة جماعات أخرى، غير الجماعة الأولى، لا يجعل صلاة المؤمنين واحدة، ولا يتناسب مع دعوتهم وقت الأذان.
- ذكر ابن القاسم في (مدونة الإمام مالك) عن جماعة من السلف، كنافع مولى ابن عمر، وسالم بن عبد الله، وغيرهم أنهم كانوا إذا فاتتهم الصلاة، صلوا فرادى، ولم يعيدوها جماعة أخرى.
- قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لقد هممت أن آمر رجالا فيحتطبوا حطبا، ثم أخالف إلى أناس يدعون الصلاة مع الجماعة فأحرق عليهم)، ففي هذا الحديث تهديد المتخلفين عن حضور صلاة الجماعة في المسجد، ولو سوغنا أن الجماعة الثانية والثالثة كانت مشروعة في المسجد، لما قامت الحجة مطلقا على أي متخلف عن أي جماعة، لأنه ربما كان يمكنه أن يدرك الجماعة الثانية، أو الثالثة أو غيرها.
- إقامة جماعة ثانية وثالثة وغيرها، تتعارض مع الحكمة من مشروعية صلاة الجماعة.
- لا شك أن الصلاة التامة، مع الجماعة، خير وأكمل من الصلاة الناقصة، التي يكمل فيها المأموم، ما فاته بعد سلام الإمام وخروجه من الصلاة، ولو كانت الجماعة الثانية مشروعة، لكان أولى بكل من تأخر عن الركعة الأولى، أن يجلس ولا يلتحق بالجماعة، بل ينتظر الجماعة الثانية، ليصلي معهم صلاة تامة، بعد انقضاء الجماعة الأولى، ولا شك أن التكلف والخلل واضحان جدا.
- (جماعة) وليست (جماعات) فلم يرد لفظ جماعات قط، في أي حديث نبوي، فقد سماها رسول الله صلاة الجماعة، ولم يسمها صلاة الجماعات.
- عاب الله على أقوام اتخاذهم مسجداً ضراراً، وبين السبب فقال: {كفراً وتفريقاً بين المؤمنين}. فكان تفريق جماعة المؤمنين من أسباب الضرار.
- حين يؤذن المؤذن هل يؤذن للجماعة الحقيقية؟ أم للجماعات التالية؟ فإذا كانت للجماعات التالية؟ فما قيمة أذانه، ودعوته الناس للصلاة بلفظة: (حي)!؟
- هناك احتمال أن تسبب الجماعة الثانية تشتيتاً للكلمة، وتفريقاً للجماعة، وتمزيقاً للوحدة.
- فقه المآلات ومقاصد التشريع تغلق باب مفسدة الفرقة، وتشتيت الجماعة، والتهاون بالجماعة الأولى، خاصة أن المنع سيكون مدعاة لحرص المصلين، على أن يدركوا الجماعة الأولى، بعد أن يعلموا أنه لا جماعة ثانية.
- إذا قام في نفس المسلم أنه إن فاتته هذه الجماعة الأولى، فهناك جماعة ثانية وثالثة، فهذا مما سيضعف همته، وحرصه على الحضور للجماعة الأولى.
- ومن الأسباب المحدثة لعدم استحباب إقامة جماعة ثانية، أن يؤم الناس بها أحد المصلين العوام، وانتشار الجهل بأمور الدين، وتفشيه بين الناس، وجهل الجاهل أنه جاهل، فيتقدم الناس، ويصلي بهم صلاة غير صحيحة، مختلة الأركان والسنن والواجبات.
ثامنا: خلاصة حكم الجماعة الثانية في المسجد:
لا تستحب الجماعة الثانية ـ وربما لا تجوز ـ إلا في أضيق الحالات، وليس منها: المسجد الملاصق أو المجاور، لمكان العمل، أو السكن، أو الاستراحة، أو من أدرك وقت دخول الصلاة، وانشغل بما سواها عنها، أو ما يحدث في مساجدنا من جعل الجماعات الأخرى بعد الجامعة الأولى جماعات راتبة متحققة بالضرورة.