الأحاديث الضعيفة والموضوعة من دلائل نبوة سيد الخلق
كتبت مريم البعاج:
سألت أبي يوما: لماذا يوجد حديث موضوع وحديث ضعيف وحديث حسن وحديث صحيح؟
ولماذا لم يجمع الصحابة حديث رسول الله كله كالقرآن حتى يصلنا نقيا صافيا من الشوائب.
وعندما بين لي تفسيره لذلك أصبت بدهشة كبيرة أصبحت بعدها أعرف أهمية الظلام لمعرفة النور والسواد لمعرفة البياض.
فقد تعلمت منه أن الأحاديث الضعيفة والموضوعة من دلائل النبوة، وأن اختلاف العلماء في صحة الأحاديث من دلائل النبوة.
فقد أتانا رسول الله صلى الله عليه وسلم بناموسين عظيمين هما كتاب الله وسنته، وطمأننا بقرآن يتلى أن الله سيحفظ كتابه: {إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون}، وتحدانا الله أن نأتي بمثله، دون أن يحذرنا من تقليده، وحذرنا رسول الله من تحريف حديثه: (من كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار)، ولم يبذل المسلمون إلا جهدا محدود الزمن (في عهد النبوة) للحفاظ على كتاب الله، ومنعه من التحريف والاختلاف، بينما بذلوا جهداً كبيراً على مر العصور ـ ولايزالون ـ لحماية الحديث النبوي، من الكذب، والتحريف، والوضع، وأفنى فيه خـَيار هذه الأمة حياتهم، حتى يصل إلينا خاليا من الشوائب، فكانت النتيجة غريبة وبعكس الجهود: (القرآن محفوظ حفظا تاما)، و(الحديث فيه الصحيح والضعيف والموضوع).
عندها تتجلى المعجزة التي أخبرنا بها رسول الله وهي أن الذي حفظ القرآن هو الله، وليس الأمة، لأنها لو حفظت ما لم تجتهد في حفظه، وهو القرآن، لحفظت ما اجتهدت في حفظه، وهو الحديث، ولو حفظت الأمة الحديث، كما حفظت القرآن لقال قائل: ليس الله الذي حفظ القرآن، بل الناس، ولا وجه للإعجاز بقول الله تعالى: {إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون}، فقد تمكن البشر من حفظ (الحديث)، أيضا دون تعهد من الله.
وبحثنا هذا عن مصطلحات علم الحديث وهي مفاتيح فهم هذا العلم العظيم.
ولكن لكي نتمكن من فهم مصطلحات الحديث لا بد أن ندرك أولا بعض المفاهيم المهمة المرتبطة بالعلاقة بين القرآن والسنة وأهمية الحديث النبوي في التشريع.، ومصادر التشريع، وعلاقة الحديث النبوي بالقرآن، ومعنى الظني واليقيني في علم الحديث، وسنتطرق إلى بدعة (القرآنيين)، الذي يزعمون أن القرآن وحده هو الإسلام ولا حاجة للحديث النبوي وسنرد عليهم، إضافة إلى مسألة التوفيق بين العقل والنقل، وسنستعرض أهم مصطلحات علم الحديث النبوي الشريف.
مصادر التشريع وعلاقة الحديث النبوي بالقرآن
السنة النبوية هي المصدر الثاني من مصادر التشريع، بعد القرآن، ولا يمكن الاستغناء عنها لأنها متممة لكتاب الله، ولا يكتمل الدين والإسلام إلا بهما معا.
وعلى الرغم من أهمية عرض الحديث: (المتن) على القرآن الكريم، للنظر في صحة نسبته لرسول الله، فإن القرآن الكريم لا يثبت ذلك، لأنه ليس كل قول متوافق مع القرآن حديثا نبويا صحيحا، وإنما يعد توافق المتن مع القرآن طريقا للنظر في صحته.
وعند عرض المتن على القرآن الكريم، فإن القرآن ينفي صحة نسبته للرسول، إذا كان متعارضا مع كتاب الله، فكل نص متعارض مع كتاب الله، ليس حديثا نبويا، فالقرآن دليل نفي لا دليل إثبات.
وعند بعض أهل العلم فإن الحديث النبوي الصحيح ينسخ القرآن، لأنه مصدر التشريع المتمم، وعند بعضهم، فإن ذلك لا يعد نسخا، وإنما يعد إكمالا وإضافة للنص القرآني، ومن ذلك حديث: (لا وصية لوارث)، و(حكم زنا الثيب).
ولا خلاف بين أهل العلم، على أن القرآن ينسخ السنة، ولكنهم اشترطوا على أن يكون فهم ذلك النسخ، موافقا لفهم رسول الله وفعله وقوله بعد النسخ، لأن رسول الله لا يصدر منه إلا ما يوافق ما أراد الله.
ويأتي دور السنة من القرآن الكريم توضيحاً وتفصيلاً وتعميماً وتخصيصاً وغير ذلك، ولا يمكن تجاهل دور السنة المتمم لدور القرآن الكريم.
وقد كان للسنة النبوية خارج القرآن الكريم، دور في الاستقلال بتشريع الأحكام ابتداءً، إضافة لما جاء في القرآن الكريم.
فقد أدت السنة النبوية دور تفصيل مجمل القرآن الكريم، وتوضيح مشكِله، وتعيين محتمله، وتقييد مطلقه، وتفسير مبهمه.
مصطلحات علم الحديث النبوي
السنة النبوية: اتفق علماء الأمة على أن السنة في الشرع هي أقوال النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ وأفعاله، وهمه، وعزمه، وتقريراته.
الحديث النبوي: هو ما جاء عن النبي محمد صلى الله عليه وسلم.
الخبر: هو ما جاء عن غير النبي صلى الله عليه وسلم.
الصحابي: هو من اجتمع بالنبي صلى الله عليه وسلم مؤمنا، ومات على الإسلام، ولو تخلل ذلك ردة، حتى لو لم يره بعينه بسبب العمى.
التابعي: هو من لقي واحدا أو أكثر من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وهو على الإسلام.
المخضرم: هو من أدرك زمن النبي صلى الله عليه وسلم، ولم يلتق به، أو التقى به وهو كافر، ثم أسلم بعد ذلك.
علم الحديث دراية: هو علم بقوانين وقواعد يـُـعـرف بها حال الراوي والمروي، من حيث القبول والرد، ومعرفة أحوال السند، من حيث الصحة والحسن، والضعف والعلو، والنزول وغير ذلك.
علم الحديث رواية: هو علم يشتمل على نقل ما أضيف إلى النبي صلى الله عليه وسلم، من قول، أو فعل، أو تقرير، أو هم، أو عزم.
تحمل الحديث: هو روايته عن المشايخ، ويشترط فيه الفهم والتمييز، ولذلك لا يقبل بعضهم تحمل الصبي الصغير، إذا لم يكن مميزا.
شرط قبول الخبر الصحيح هو: رواية العدل، الضابط، عن مثله، إلى منتهاه، بغير شذوذ، ولا علة.
أداء الحديث: هو التحديث بما قد سمع وتحمل، ويشترط فيمن يُحتج بتحدثه الضبط والعدالة.
الشهادة على الحديث: كان أبو بكر الصديق وعمر بن الخطاب وعلي بن أبي طالب رضي الله عنهم لا يأخذون حديث رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ إلا بشاهد مصدق أو يمين حاسمة.
درجة صحة الحديث: درجة صحة الحديث النبوي تعني درجة صحة نسبته ونسبة كلماته ومعانيه للنبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ وليس موافقة قوله للصواب، لأنه ـ صلى الله عليه وسلم ـ {لا ينطق عن الهوى}.
المتن: هو ما ينتهي إليه السند وهو أقوال النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ وأفعاله، وهمه، وعزمه، وتقريراته، أي هو النص المروي، الذي رواه الراوي.
المتن في الحديث الموقوف: هو ما ينتهي إليه السند وهو أقوال الصحابة ـ رضي الله عنهم ـ وأفعالهم، وهو النص المروي، الذي رواه الراوي عنهم.
السَـنـَـد: هو طريق الحديث، ورجاله الذين رووه.
المـُـسـْـنـَـد: هو الحديث المتصل السند من راويه حتى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو اسم مفعول من الفعل أسند.
علم الإسناد: هو أحد علوم الحديث، وهو من أخطر وأجل العلوم الإنسانية، وارتبط بعدد من العلوم الأخرى، كالتاريخ والجغرافيا والسِيـَر وغيرها، لضمان صحة إسناد الحديث إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو طريق الحديث، ورجاله الذين رووه، ورفعوا الحديث إلى قائله.
أهمية الإسناد: قال العلماء: لولا الإسناد لقال من شاء ما شاء، وبذلك يزول الدين، ويحل محله غيره من الآراء والبدع والأهواء.
المـُـسـْـنِـد: هو راوي الحديث، وهو اسم فاعل لأسند، وهو الراوي.
صفات (المُسْـنِد): يجب أن يتصف راوي الحديث بالعدالة، وهي التقوى والمروأة، وأن يكون تام الضبط، بنوعيه ضبط الصدر، وضبط الكتاب، ويزول الضبط بفرط الغفلة، أو كثرة الغلط، أو مخالفة الثقات، أو الوهم، أو سوء الحفظ.
ضبط الصدر: هو كون الراوي متيقظاً غير مغفل، بل يحفظ ما سمعه، ويثبته بحيث يتمكن من استحضاره متى شاء، مع علمه بما يحيل المعاني إن روى بالمعنى.
ضبط الكتاب: وهو أن يصون الراوي كتابه من تطرق التزوير والتغيير إليه، من حين كتابته وتملكه إلى أن يؤدي منه.
علم التراجم: هو أصل من أصول علم الجرح والتعديل، وبه تـُعرف المواليد، والوفيات، والنسب، والألقاب، ولقاء الرواة، وسيرهم، وآثارهم.
علم رجال الحديث: هو العلم الذي يعرف به الرجل، ورسوخه في العالم، أو ادعاؤه، وهو قريب من علم التراجم إلا أنه يركز على رجال الحديث وحدهم، وأشهر كتبه: (أسد الغابة) لعز الدين بن الأثير، و(الاستيعاب في معرفة الأصحاب) لابن عبد البر، و(الإصابة في تمييز الصحابة)، لابن حجر العسقلاني، ومختصره (عين الإصابة)، للسيوطي.
علم الجرح والتعديل: الجرح والتعديل هما الميزان الدقيق، لقبول الحديث من محدثه، أو رده، وهو من أهم أبواب علم الحديث.
ضوابط ومعايير الجرح والتعديل: يشتمل علم الجرح والتعديل على ضوابط ومعايير منهجية علمية صارمة وواضحة، للتأكد من صحة نسبة الأحاديث لرسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ ومن صحة نصوصها.
علم الجرح: هو العلم الذي يبحث فيه العلماء المحدثون جرح الرواة، أو الطعن فيهم، والبحث في مثالبهم.
علم التعديل: هو العلم الذي يبحث فيه العلماء المحدثون تعديل الرواة، وتوثيقهم، وتحديد من يـُـقبل الحديث منه.
علم غريب الحديث: هو علم يشرح الحديث، الذي يحتوي على ألفاظ لغوية بعيدة المعنى، أو معاني غريبة وغامضة، تحتاج إلى شرح وتفسير، وكان في حالات نادرة من الحديث النبوي.
علم التصحيف والتحريف: كلاهما مما يجب على الراوي أن يتجنبه، بضبطه ألفاظ الحديث متنا وسندا، فالتصحيف ما كانت المخالفة فيه بتغيير حرف أو أكثر بنقطه مع بقاء شكله، مثل مزاحم ومراجم، ومثل شيئا وستا، والتحريف ما كانت فيه المخالفة بتغيير التشكيل مع بقاء الحرف أ ُبي وأبي.
علم المؤتلف والمختلف: هو من أهم علوم الحديث، التي يفيد تعلمها في تجنب الوقوع في التصحيف والتحريف، وهو أن تأتلف الألقاب أو الأسماء أو الأنساب خطا، وتختلف نطقا بسبب اختلاف التشكيل، مثل مِسور (بكسر الميمم) ومُسور (بضم الميم).
علم المتفق والمفترق: هو من أهم علوم الحديث، التي يفيد تعلمها في تجنب الوقوع في التصحيف والتحريف، وهو أن تتفق أسماء الرواة أو أسماء الآباء فصاعدا، مثل عبد الله بن زيد بن عاصم، وعبد الله بن زيد بن عبد ربه.
علم المتشابه: هو من أهم علوم الحديث، التي يفيد تعلمها في تجنب الوقوع في التصحيف والتحريف، وهو علم يجمع المؤتلف والمختلف، وعلم المتفق والمفترق، وهو أن تتفق أسماء الرواة لفظا وخطا، وتختلف أسماء الآباء لفظا لا خطا، مثل محمد بن عُقيل (بضم الميم)، ومحمد بن عـَقيل (بفتح الميم).
أشهر مصنفات الحديث النبوي: (الصحاح): كان ظهور الصحاح خطوة متقدمة في تنقية حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم من الشوائب، وأهم وأشهر الصحاح في السنة النبوية:
- الصحيح للإمام البخاري، المتوفى سنة 256.
- الصحيح للإمام مسلم، المتوفى سنة 261.
- الجامع للإمام التـُرمــِذي، المتوفى سنة 279.
- السنن لأبي داوود، المتوفى سنة 275.
- السنن للنـَسائي، المتوفى شهيدا سنة 303.
- السنن لابن ماجة، المتوفى سنة 275، وهو أضعف الستة، واختلف العلماء بينه وبين الموطأ ليكون سادس الخمسة.
المستخرجات: هي من أعمال المصنفين، الذي أتوا بعد أصحاب الكتب المؤلفة في السنن، فيخرج صاحب المستخرج الحديث، الذي خرجه صاحب الكتاب الأول، ولكنه بإسناده هو، وربما رواه بلفظ آخر، غير لفظ الراوي الأول، ولكن لا ينسبه إليه، إلا إذا توافق اللفظان، فيقول رواه فلان وفلان.
مراتب الصحيح: اتفق العلماء على أن الصحيح على ثماني مراتب، وهي:
- المتفق عليه وهو ما أخرجه البخاري ومسلم.
- ما انفرد به البخاري.
- ما انفرد به مسلم.
- ما كان على شرطهما، ولم يخرجه واحد منهما.
- ما كان على شرط البخاري وحده، ولم يخرجه واحد منهما.
- ما كان على شرط مسلم وحده، ولم يخرجه واحد منهما.
- ما هو صحيح عند الأئمة المعتمدين، وليس على شرط أحدهما.
- رتبة بقية السنن: (الترمذي، وأبي داوود، والنسائي، وابن ماجه) أعلى من رتبة المسانيد.
الحديث المحكم: هو الحديث المقبول السليم من المعارضة.
مختلف الحديث: هو الحديث الذي يُـعارض بحديث مثله، ويمكن الجمع بينهما بلا تعسف.
الحديث الناسخ: هو الحديث الذي يُـعارض بحديث مثله، ولا يمكن الجمع بينهما، فيسمى الحديث اللاحق حديثا ناسخا.
الحديث المنسوخ: هو الحديث الذي يُـعارض بحديث مثله، ولا يمكن الجمع بينهما، يسمى السابق حديثا منسوخا.
الحديث المعنعن: هو رواية الحديث بصيغة: عن فلان عن فلان عن فلان، من غير لفظ صريح بالسماع، أو التحديث أو الإخبار، ويكون الرواة ثقات معروفين، واشترط البخاري لقاء كل من روى عنه، واشترط مسلم معاصرتهم.
الحديث المؤنن: هو رواية الحديث بصيغة: حدثنا فلان أن فلانا قال، ويكون الرواة ثقات معروفين، اشترط البخاري لقاء كل من روى عنه، واشترط مسلم معاصرتهم.
الحديث القدسي: وهو ما نقل عن النبي صلى الله عليه وسلم، مع إسناده إياه لله عز وجل، ويسمى الحديث الإلهي، ولكن لا تصح الصلاة به، ولا يتعبد بتلاوته كالقرآن.
فرق الحديث القدسي عن القرآن: يختلف عن القرآن بأنه ما أوحاه الله إلى نبيه بمعناه، وقاله النبي صلى الله عليه وسلم بألفاظه، بعكس القرآن الذي جاء من عند الله لفظا ومعنى.
الحديث المرفوع: هو الحديث الذي ينتهي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم.
الحديث المرفوع رفعا صريحا قولا: وذلك حين يكون نقل الصحابي عنه صريحا بلفظ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم.
الحديث المرفوع رفعا صريحا فعلا: وذلك حين يقول الصحابي صريحا فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم.
الحديث المرفوع رفعا صريحا تقريرا: وذلك حين يقول الصحابي صريحا فعلت كذا، أو فعل غيره كذا بحضرة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولم ينكره.
الحديث الموقوف المرفوع حكما قولا: وذلك حين يتحدث الصحابي، فيما لا مجال فيه للاجتهاد، مثل الإخبار عن الغيب وأخبار الأنبياء، وما يخص الثواب والعقاب، مما لم يرد فيه نص.
الحديث الموقوف المرفوع حكما فعلا: وذلك حين يفعل الصحابي ما لا مجال فيه للاجتهاد، مثل العبادات، ومنها ما فعله علي في صلاة الكسوف، حين صلاها بركوعين.
الحديث الموقوف المرفوع حكما تقريرا: وذلك حين يخبر الصحابي بأمر كانوا يفعلونه في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويستمرون على فعله، أو أن يقول من السنة فعل كذا، دون أن يذكر إقرار رسول الله أو نهيه عنه صراحة.
الحديث المسند: هو الحديث المرفوع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو المتصل سنده إلى رسول الله دون انقطاع عند الجمهور، ويشمل عند بعضهم المنقطع الذي يروي فيه تابعي عن صحابي لم يره، كراوية الزهري عن ابن عباس رضي الله عنهما.
الحديث المتصل (الموصول): هو الحديث المرفوع، أو الموقوف الذي يكون كل راو من رواته سمعه عمن روى عنه، ليصل إسناده إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فيكون مرفوعا، أو أحد أصحابه فيكون موقوفا، ويجوز أن يسمى النص متصلا للتابعي، بشرط ذكر ذلك فيقال متصل إلى فلان (التابعي).
الحديث الموقوف: هو الخبر الذي ينتهي إلى أحد أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم.
الحديث المقطوع: هو ما جاء عن تابعي، من قوله أو فعله، موقوفا عليه، وليس بحجة.
الحديث المنقطع: هو ما سقط منه واحد من رواته قبل الصحابي.
الحديث المعضل: هو ما سقط منه اثنان من رواته قبل الصحابي.
الحديث المرسل: هو ما سقط منه من رواته الصحابي، فيسنده التابعي مباشرة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، واحتج به أبو حنيفة ومالك وأحمد، بينما لا يحتج به الشافعي وجمهور المحدثين.
الحديث المرسل المعتضد: هو ما سقط منه من رواته الصحابي، فيسنده التابعي مباشرة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولكن يؤيده أن يجيء مرسلا من وجه آخر يعضده، واحتج به أبو حنيفة ومالك وأحمد، وكذلك الشافعي وجمهور المحدثين.
حديث (مرسل الصحابي): هو ما سقط منه من رواته الصحابي، فيسنده صحابي آخر مباشرة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، كأن يحدث صحابي بأمر لم يشهده بنفسه، ومراسيل الصحابة حجة.
تعارض الوقف والرفع: إذا تعارض ثقتان في حديث، وقفه أحدهما ورفعه الآخر، فإن الحجة للأحفظ منهما، وإلا فإن الرفع أولى.
الحديث المتواتر: هو الحديث الذي رواه جمع عن جمع، لا يمكن أن يتواطؤوا على الكذب، بشرط أن تستوي الكثرة من ابتداء السند إلى آخره، سواء كانوا أربعة، وهو أقل التواتر، أو سبعين وهو أكثره.
حديث الآحاد: هو الحديث الذي دون المتواتر، وهو ثلاثة أقسام: المشهور والعزيز والغريب وهو أدناها.
حديث الآحاد المشهور: هو من أحاديث الآحاد، وهو ما رواه ثلاثة عن ثلاثة، ويسمى أيضا المستفيض، وهو أعلى درجات الآحاد، وينقسم إلى الصحيح والحسن والضعيف.
حديث الآحاد العزيز: هو من أحاديث الآحاد، وهو ما رواه اثنان عن اثنين، ويسمى بذلك لقلة وجوده، وهو أوسط درجات الآحاد، وينقسم إلى الصحيح والحسن والضعيف.
حديث الآحاد الغريب: هو من أحاديث الآحاد، وهو ما رواه واحد عن واحد، ويسمى بذلك لأنه كالغريب، وهو أقل درجات الآحاد، وينقسم إلى الغريب الصحيح كالذي في الصحيحين، والغريب الحسن كالذي عند الترمذي، والغريب الضعيف، وإن كان أغلب حالاته الضعف.
المقبول والمردود في الآحاد: ينقسم حديث الآحاد مقبولا ومردودا، فالمقبول هو ما يجب العمل به، أما المردود فهو ما دون ذلك.
المقبول في الآحاد: ينقسم حديث الآحاد المقبول أربعة أقسام وهي: الصحيح لذاته، والصحيح لغيره، والحسن لذاته، والحسن لغيره.
الحديث الصحيح لذاته من أحاديث الآحاد: هو ما رواه عدل تام الضبط، عن مثله غير معلل، ولا شاذ، بحيث يكون كل رجاله سمع ذلك المروي عمن روى عنه.
الحديث الصحيح لغيره من أحاديث الآحاد: يتسم بصفات الحديث الصحيح لذاته، ولكنه يكون دونه في صفات القبول، ولكن تعددت طرقه.
الحديث الحسن لذاته من أحاديث الآحاد: هو ما كان رجاله في ضبطهم دون رجال الصحيح، لكنه قوي وحسن بسبب الاعتضاد.
الحديث الحسن لغيره من أحاديث الآحاد: وهو الحديث الذي فقدت فيه بعض الشرائط المعتبرة في الصحيح، فأصبح ضعيفا إلا أنه انجبر ضعفه، بسبب تعدد طرقه فأصبح حسنا لغيره.
الحديث الثابت: يطلق المحدثون ألقاباً غير قولهم: صحيح، أو حسن، مثل الجيد، والقوي، والصالح، والمعروف، والمحفوظ، والمُجَوَّد، والثابت، للدلالة على صحته.
المردود في حديث الآحاد: وهو الحديث الضعيف الذي سقط راو أو أكثر من راوٍ من سنده، أو تعرض بعض رواته للطعن في عدالتهم أو ضبطهم.
المنكر: هو الحديث الذي تفرّد به راوٍ ليس أهلاً للتفرد بالرواية، التي رواها فأخطأ فيها، سواء كان ضعيفاً أو ثقةً، وسواء وقعت مخالفة أو لا، وسواء كان خطؤه في الإسناد، أو في المتن أو فيهما معا، وبعض أهل العلم قصر هذا المصطلح على مخالفة الضعيف للثقة.
الحديث المضعــَّــف: وهو الحديث الذي لم يجمع المحدثون على ضعفه، بل هناك من ضعف بعض سنده أو متنه، وهناك من قواه فهو أقوى من الضعيف.
الحديث الضعيف: وهو الحديث الذي لم يبلغ مرتبة الصحيح ولا الحسن، وعدها العراقي 24 نوعا، وعدها البستي 49 نوعا.
الحديث المدلس: هو الذي يُسقط فيه الراوي اسم شيخه أو يخفيه، أو يسميه باسم آخر غير معروف، فلا يقبل ممن عرف بذلك، إلا ما صرح فيه بالاتصال بالسماع.
الكلام المدرج: الإدراج هو أن يدخل في الحديث كلام ليس منه، كأن يفسر الشيخ لفظا أو يشرح حكما فيظنه السامع من الحديث.
مدرج المتن: أن تدخل الزيادة في الكلام في المتن، وعادة يكون آخر الكلام، أو معطوفا عليه.
الحديث المسلسل: هو الحديث الذي توارد رجال إسناده واحدا واحدا، على حالة واحدة أو صفة واحدة، وقلما تسلم المسلسلات من ضعف في وصف التسلسل، كأن يقولوا كلهم: (حدثني شيخي فلان).
الحديث المسلسل اللفظي: هو الحديث المسلسل الذي يأتي على حالة أو صيغة لفظية كأن يقول: والله لقد أنبأني شيخ فلان.
الحديث المسلسل المقرون بحالة: هو الحديث المسلسل الذي يأتي مقرونا بحالة، كأن يقول: حدثني فلانا قائما، أو بعد أن حدثني ضحك.
الحديث المحفوظ: هو الحديث الراجح المخالف للحديث المرجوح، الذي رواه راوي الصحيح والحسن، بزيادة على الراجح، والحديث الشاذ هو الحديث المقابل للحديث المحفوظ.
الحديث المعروف: هو الحديث الراجح المخالف للحديث المرجوح، الذي رواه راوي الحديث الضعيف، بزيادة على الراجح، والحديث المنكر مقابل الحديث المعروف.
المتابعة في رواية الحديث: هي الموافقة والتأييد، ومشاركة الراوي في روايته لحديث، وهي نوعان تامة وقاصرة، والمتابـِع بكسر الباء يسمى تابعا، وهو الخبر المشارك للخبر الفرد لفظا ومعنى، أو معنى فقط، مع الاتحاد في الصحابي.
الشاهد في رواية الحديث: هو الخبر المشارك للخبر الفرد لفظا ومعنى، أو معنى فقط، مع الاختلاف في الصحابي.
الخبر المقلوب أو المنقلب: هو ما انقلب بعض لفظه على راو، فتغير معناه، ويقع القلب في المتن والسند.
الحديث المضطرب: هو الحديث الذي روي على أوجه مختلفة متدافعة على التساوي في الاختلاف من راو واحد، سواء كان الاختلاف في السند أو المتن، فإن أمكن الجمع بين الروايات، وإلا فهو ضعيف مردود لأنه يشعر بعدم ضبط الراوي.
الخبر المعل: هو الخبر الواقع فيه الوهم، وهو من أغمض علوم الحديث، ولا يدركه إلا الجهابذة.
الحديث المعلل: هو خبر ظاهره السلامة لجمعه شروط الصحة، ولكن فيه علة خفية قادحة، فيها غموض تظهر للمحدثين الحاذقين، وتكون العلة أحيانا في السند وأحيانا في المتن.
الحديث الشاذ: هو ما خالف فيه الراوي الثقة جماعة الثقات، أو خالف من هو أضبط منه وأحفظ، بزيادة أو نقص، فُيظن أنه وهم فيه.
الحديث الشاذ الصحيح: هو ما رواه الراوي الثقة العدل الضابط المنفرد ولم يخالف جماعة الثقات، أو من هو أضبط منه وأحفظ، بل روى ما لم يروه غيره.
الحديث الشاذ الحسن: هو ما رواه الراوي الثقة العدل غير الضابط قليلا المنفرد ولم يخالف جماعة الثقات، أو من هو أضبط منه وأحفظ، بل روى ما لم يروه غيره.
الحديث الشاذ المنكر: هو ما رواه الراوي الثقة العدل غير الضابط أبدا المنفرد ولم يخالف جماعة الثقات، أو من هو أضبط منه وأخفظ، بل روى ما لم يروه غيره.
المردود المتروك: وهو ما رواه راو متهم بالكذب.
الصحيح المتروك: هو الحديث صحيح السند المتصل، غير المعلول، الموقوف أو في حكم المرفوع أو المرفوع، الذي يخالف الأصول، ويخالف ما هو أصح منه، ولا يمكن التوفيق بينهما، ولم تسعفه الشواهد والمراجعات، ولم يكن أحدهما ناسخا للآخر، فإن الترك يقع عليه، وليس على الصحابي المسند إليه، ولا يخرج ترك الحديث الصحابي الروي له من دائرة العدول.
المردود المنكر: وهو ما رواه راو متهم بالفحش والغفلة والفسق، أو الذي لا يعرف متنه من غير جهة راويه الضعيف، وأن يخالف الثقات.
الموضوع: وهو قول قاله أحد الوضاعين، ونسبه كذبا وزورا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا يجوز نشره أو التعامل معه إلا من باب كشف كذبه وزوره، ويسمى المختلق والمصنوع والمكذوب.
معنى الظني واليقيني في علم الحديث
الحديث النبوي الشريف ظني بالنسبة لليقين المطلق، ففي مقابل التسليم المطلق بيقين ثبوت القرآن الكريم، فإن التعامل مع صحة نسبة الحديث لرسول الله، يجب أن يكون بمنزلة ثانية، ويعبر بعض الفقهاء عن ذلك بأن القرآن يقيني أو قطعي الثبوت، والحديث [الذي بين أيدينا غير المتواتر، وما لم تجمع الأمة على صحته] ظني، أو ظني الثبوت، وهناك من يرى الحديث عموما ظني الثبوت، بالمقارنة مع القرآن الكريم، ولا اعتداد برأي من يراه ظني الثبوت بشكل مطلق.
ولا يعني وصف الحديث النبوي بأنه ظني الثبوت دخول الشك في صحة قول رسول الله، فهو الصادق الأمين، ولكن الظن يدخل في صحة نسبة القول إلى رسول الله، وإلا فإن سوء الظن برسول الله، أو رد حديث رسول الله، مع التأكد من صحته، يعد كفرا مخرجا من الملة.
والأحاديث التي اختلف العلماء في درجة صحتها، ورجح أكثرهم صحتها لا تدخل في باب (الظني)، الذي يدفع للشك، وإنما تدخل في باب (الظن الراجح)، الذي يبقي باب الخلاف الفقهي مفتوحا للاستنباط منها.
وكلما زاد تواتر الحديث زالت صفة (الظني) عنه لقطعية ثبوته، وكلما انخفضت درجته في الآحاد، زادت حالة ظنية الثبوت فيه، وكلما زادت قرائنه، أو درجة صحته، زاد القطع فيه، وزال الظن.
فالتعامل مع بعض حديث رسول الله على أنه ظني، لا يكون بناء على اتباع الهوى، وما يروق لنا، وما لا يروق، وإنما بناء على مخالفته وموافقته لصريح القرآن الكريم، والنص النبوي الأقوى سندا وصحة.
والحديث الذي يوصف بأنه ظني، ويخضع للبحث والتأمل هو الحديث الصحيح [غير المتواتر وغير المجمع على صحته]، وليس ما دون ذلك من الأحاديث المردودة، التي يكون رد ثبوتها يقينيا، لا ظنيا.
ولا ينطبق مبدأ (الظني) على الحديث الضعيف، الذي يتحدث في العقيدة والتشريع، والأحكام وأصول الدين، فهو مردود في هذه الحالة، ولا يصلح لا للحجة ولا للظن الحسن.
ويكون تطبيق مبدأ (الظني) على الحديث الضعيف، الذي لا يتحدث في العقيدة ولا التشريع ولا الأحكام ولا أصول الدين، وإنما يتناول الفضائل والمكارم والمآثر.
ولا يخضع النص الكاذب والموضوع والمنكر للدراسة تحت بند (الظني)، لأنه مردود من أصله، ولا يجوز التعامل معه، إلا من باب كشف زوره، وكذب نسبته لرسول الله.
الظني وعلوم القرآن: التعامل مع الحديث النبوي على أنه ظني، يجب أن يخضع لعلوم القرآن، بعمق وتفصيل، ولا تكفي فيه المقارنة الظاهرية السطيحة، التي قد يتوصل من خلالها الجاهل إلى تعارض القرآن ونصوص الحديث.
ويجب على المتعامل مع الحديث النبوي على أنه ظني، أن يكون مدركا لأسباب نزول الآيات القرآنية، وما تتجاوز عبرته أسباب النزول إلى عموم المعنى، وما تنحصر معانيه في أسباب نزوله.
ويجب على المتعامل مع الحديث النبوي على أنه ظني، أن يكون عارفا لما يتوافق وما يتعارض معه من الأحاديث، وكذلك الشواهد والمتابعات والمراجعات المرتبطة به.
ومعرفة تسلسل الأحداث التاريخية في زمن النبوة، وأيام الخلفاء الراشدين، تفيد المحدث والباحث في تقدير معنى (الظني)، في التعامل مع الأحاديث النبوية الشريفة.
كما يجب الحذر في التعامل مع معنى (الظني) في الحديث النبوي، بمعرفة الناسخ والمنسوخ من الآيات، والناسخ والمنسوخ من الأحاديث الأخرى، حتى لا يقع تعارض بسبب الجهل، ويؤدي التعامل (الظني) إلى تضعيف الحديث.
فعندما يكون الحديث النبوي عظيم السند، ويلتقي مع إجماع أوائل هذه الأمة، من الآل والأصحاب والتابعين، فإن صفة (الظني) فيه تتلاشى إلى أبعد الحدود.
ملاحظة: ترجيح الإمام مالك بن أنس لعمل أهل المدينة في عصره، على ما وصله من نصوص أحاديث صحيحة، وثقها في موطئه، (دون ردها)، يؤشر مبكرا إلى فهم أوائل علماء الأمة، لمعنى الظني في استنباط الدليل من نصوص الحديث النبوي وترجيحه.
وقد لخص شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله مسألة اليقين في الحديث النبوي بقوله: الصَّحِيحُ مَا عَلَيْهِ الْأَكْثَرُونَ: أَنَّ الْعِلْمَ يَحْصُلُ بِكَثْرَةِ الْمُخْبِرِينَ تَارَةً، وَقَدْ يَحْصُلُ بِصِفَاتِهِمْ لِدِينِهِمْ وَضَبْطِهِمْ وَقَدْ يَحْصُلُ بِقَرَائِنَ تَحْتَفُّ بِالْخَبَرِ يَحْصُلُ الْعِلْمُ بِمَجْمُوعِ ذَلِكَ، وَقَدْ يَحْصُلُ الْعِلْمُ بِطَائِفَةِ دُونَ طَائِفَةٍ، وَأَيْضًا فَالْخَبَرُ الَّذِي تَلَقَّاهُ الْأَئِمَّةُ بِالْقَبُولِ تَصْدِيقًا لَهُ أَوْ عَمَلًا بِمُوجَبِهِ يُفِيدُ الْعِلْمَ عِنْدَ جَمَاهِيرِ الْخَلَفِ وَالسَّلَفِ وَهَذَا فِي مَعْنَى الْمُتَوَاتِرِ).
رفض بدعة: (القرآنيين)
إن تعطيل السنة هو تعطيل للقرآن بمفهومه الشامل، وإلا كيف سنطبق قول الله تعالى: {ما آتاكم الرسول فخذوه}، فليس هناك مسلم عاقل كامل الإيمان، يقبل الدعوة إلى التخلي عما جاء به رسول الله من السنة، بحجة وجود القرآن الكافي، لأنهما متكاملان، وبهما معا اكتمل الدين، وليس هناك مسلم عاقل كامل الإيمان، لا يعلم أن الكفر بحديث رسول الله ورفضه يعني كفرا بالقرآن ورفضه، لأن رفض السنة هو رفض لأكثر ما جاء في القرآن.
والقرآن نفسه هو الذي يرد على من يسمون أنفسهم (قرآنيين)، زاعمين أنهم يكتفون بالقرآن، ولا حاجة لهم بالسنة، لأنها غير دقيقة وغير صحيحة، والقرآن مليء بالآيات التي تبين أن هدي القرآن هو اتباع السنة: {قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ فَإِن تَوَلَّوا فَإِنَّمَا عَلَيْهِ مَا حُمِّلَ وَعَلَيْكُم مَّا حُمِّلْتُمْ وَإِن تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ}، فكيف سنطبق هذه الآية لو تجاهلنا السنة.
وهناك الكثير من الآيات التي ترد على القرآنيين.
ولسنا مخيرين بين الاعتراف بالسنة وعدم الاعتراف، فالسنة هي الشطر الآخر من الدين.
ومن دلائل نبوته صلى الله عليه وسلم، إخباره بما سيكون من أمر الناس تجاه السنة:
(ألَا هلْ عسى رجلٌ يبلغُه الحديثُ عنِّي وهوَ مُتَّكئٌ على أريكتِهِ، فيقولُ: بيْنَنا وبينَكم كتابُ اللهِ، فما وجَدْنا فيهِ حلالًا استَحْلَلْناه، وما وجدنا فيه حرامًا حرَّمْناه، وإنَّ ما حرَّمَ رسولُ اللهِ صلى اللهُ عليهِ وسلمَ كمَّا حرَّمَ اللهُ).
وقد ثبتت عصمة الرسول صلى الله عليه وسلم عن الخطأ، في القرآن والسنة وذلك في:
- قول الله تعالى: {وما ينطق عن الهوى}.
- قوله صلى الله عليه وسلم لعبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنه:
(اكتب فو الذي نفس محمد بيده ما خرج منهما إلا حق)، أي شفتيه.
فالمسلم ليس مخيرا بين اتباع حديث الرسول صلى الله عليه وبين عدم اتباعه، بل يجب عليه على كل حال أن يكون منساقا له رغبة وحبا، ويؤكد ذلك قوله صلى الله عليه وسلم:
(لا يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعا لما جئت به).
التوفيق بين العقل والنقل في علم الحديث
على الرغم من اجتهاد علماء الحديث في موضوع الإسناد، وحرصهم على أن يكون نقيا صافيا، لا تخالطه شبهات فقد اجتهدوا أيضا في دراسة المتن، بما لا يتعارض مع الإيمان والتسليم، وكان من أهم معاييرهم أنه لا تعارض بين العقل والنقل، ضمن عدد من المبادئ منها:
- لا تعارض بين العقل والنقل، فإذا صح النقل عن الله ورسوله، فإن العقل لا بد أن يتوافق معه، فإذا لم يتوافق فذلك لعجزه وضعفه.
- العقل هو أحد أهم المعايير التي يتوصل من خلالها علماء الحديث إلى صحة نسبة الحديث لرسول الله، وذلك بإعماله في صحة السند أولا، ثم صحة المتن لغويا وأدبيا ومعنى، ثم عدم تعارض المتن مع مسلمات الدين، ثم عدم تعارضه مع مسلمات الكون والخـَلـْـق، ثم عدم تضاربه مع مسلمات العلم، وعدم تعارضه مع مسلمات الأخلاق.
- العقل الذي لا يتعارض مع النقل، هو العقل الشامل المؤمن بالله ورسوله، وليس العقل المحدود العاجز، الذي يزداد قدرة بزيادة المعرفة، لأن التسليم بغير ذلك يعني أن مستوى عقل كل إنسان، هو الذي يحدد درجة إيمانه وقبوله لما يأتي من عند الله ورسوله، فيكون الجاهل غير مطالب بالإيمان، وهذا يتعارض مع حقيقة الإيمان.
- الإيمان بالله هو العقل الذي يحكم به المسلم على الغيبيات، وليس العقل العاجز عن تجاوز حدوده، لأن كل أمور الغيب فوق حدود العقل.
- إذا صح الحديث عن رسول الله، فهو الحق المبين، الذي لا يخالطه باطل، لأنه صلى الله عليه وسلم، لا ينطق عن الهوى.
- العقل الواعي المؤمن يدرك أن كل ما جاء من عند الله ورسوله هو الحق المطلق، لا يخالطه خطأ أو سوء أبدا.
- التعامل مع الأحاديث، التي تحمل دلالات ومؤشرات علمية يكون بتسليم وإيمان، وعدم انتظار الدليل العلمي، لأن ذلك يصبح إيماناً بالعلم، لا إيماناً بالله ورسوله، ولا يكون هناك فرق بين إيماننا وإيمان البوذيين والهندوس وغيرهم بالمسألة العلمية.
- العقل المؤمن لا يطالب الله بدليل علمي على ما يقول، ولكن ظهور دليل علمي يساعد المؤمن على زيادة اليقين والثبات، والدعوة إلى الله.
الخاتمة
وعلى الرغم من أن الله لم يتعهد بحفظ السنة كاملة كما حفظ القرآن، فقد هيأ من عباده رجالا مخلصين هم علماء الحديث يفضحون المتن الموضوع، ويثبتون الحديث الصحيح، الذي يتطلبه اكتمال الدين: {مَا كَانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ}.
فوجود أحاديث ضعيفة هنا أو هناك أو موضوعة، لا يعني رفض إرث رسول الله كله، وإلقاءه في مهملات التاريخ، بل يوجب عملية البحث والتمحيص، التي تولاها علماء المسلمين الأفاضل.
المراجع والمصادر
(1): القرآن الكريم لضبط الآيات.
(2): موقع الدرر السنية للتأكد من صحة الأحاديث.
(3): موقع الدرر السنية لمعرفة آراء العلماء.
(4): موقع الإسلام سؤال وجواب لفهم معنى الظني واليقيني.
(5): كتاب علم الحديث للشيخ عبد البديع صقر رحمه الله لتعريفات مصطلحات علم الحديث.
(6): والدي المعتصم بالله بن الشيخ عبد الرؤوف بن الشيخ أحمد البعاج، الذي يمتلك خبرة في الإعلام، منذ عام 1989، وقد اكتسب الكثير من علوم اللغة والدين، من والده قبل وفاته رحمه، ومن عدد من كبار العلماء والأدباء، الذين كان يلازمهم، مثل فضيلة الشيخ محمد عمر الداعوق، والأستاذ الدكتور مازن المبارك، والأستاذ الأديب حسيب الكيالي.