قرأ بعضهم: {فلبث فيهم ألف سنة إلا خمسين عامًا}، فحصر معنى السنة بالشدة، وحصر معنى العام باليسر، وفاته أن الله وصف الألف كاملة بالسنين.
ولا شك أن استخدام القرآن لفظة عام مرة، ولفظة سنة مرة، في الموضع نفسه، يدل على اختلاف دلالة كل منهما، ولكن تلك الدلالة ليست محصورة بالشدة والرخاء.
ودلائل إنكار حصر معنى السنة بالشدة، كثيرة في كتاب الله منها: {يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ يُعَمَّرُ أَلْفَ سَنَةٍ)، فلا شك أنه لا يود أن يعمر عمرا حزينا، وقوله: {حَتَّى إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً}، فهي مرحلة القوة والبأس والتمكن، وليست مرحلة الضعف.
كما قد يقترن المعنى السلبي مع العام: {أَوَلَا يَرَوْنَ أَنَّهُمْ يُفْتَنُونَ فِي كُلِّ عَامٍ مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ}، والشدة: {حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ}.
وقد استنبط بعض فقهاء اللغة، بعض الفروق، بين اللفظين، منها أن كلمة سنة، تشير إلى التقويم الشمسي، بينما تشير كلمة عام إلى التقويم القمري، مستدلين بقوله تعالى: {فلا يقربوا المسجد الحرام بعد عامهم هذا}، في الحديث عن الحج، المرتبط بالسنة القمرية، بينما جاء في سورة الكهف: {ولبثوا في كهفهم ثلاثمائة سنين وازدادوا تسعة}، فالسنون الثلاثمائة، سنون شمسية، والتسعة المتبقية قمرية، أي تسعة أعوام.
ومما يدل على صحة تجرد لفظ السنة كثيرا، من معاني الشدة والرخاء وعدم حصرها بالسنين الشمسية قوله: {لِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ}، ووصفه نوم أصحاب الكهف الذي لم يكونوا يشعرون به: {فَضَرَبْنَا عَلَى آَذَانِهِمْ فِي الْكَهْفِ سِنِينَ عَدَدًا}.
ومن الطريف أن العرب استخدموا في الحساب كلمة سنين إلا ما قصدوا منه الأعوام الهجرية: (لَبِثَ النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بمَكَّةَ عَشْرَ سِنِينَ، يُنْزَلُ عليه القُرْآنُ وبِالْمَدِينَةِ عَشْرَ سِنِينَ)، و: (إِنَّ عبدًا أَصْحَحْتُهُ ووَسَّعْتُ عليهِ، لمْ يَزُرْنِي كلَّ خمسَةِ أَعْوَامٍ لَمَحْرُومٌ).
فالكلمتان مترادفتان غالبا إذا افترقتا، مختلفتان ببعض الدلالات اللغوية اللطيفة، إذا اجتمعتا.
والأرجح من علم اللسانيات وروح الأحرف: أن في أحرف السنة حدة ودقة وحسما، وفي أحرف العام استرخاء ولينا ومهلة.