قد يتبادر إلى ذهن قارئ كلماتي اليوم، أن هناك خطأ مطبعيا، أو أن هناك تداخلا في عنوانين مختلفين، فما علاقة التدخين العادة السلوكية، التي يمقتها الأطباء، والسرعة الزائدة، التي يمقتها رجال الأمن ويرصدونها.
في إحدى جلسات مجالسنا، اشتكى أحد الحضور، من أن السرعة الزائدة، أصبحت تجري في عروقه مجرى الدم كالإدمان، وأنه تعودها منذ صغره، ولم يردعه ذلك الوقت أحد، وأنه كلما تاب عنها، وجد نفسه ينساق خلفها دون أن يدري، فهي تراوده عن نفسه، كلما خلا له الطريق، وكأنها أصبحت جزءاً لصيقا من شخصيته، ويتمنى لو وجد في بداية هذه العادة، من يردعه.
حين كان يتحدث، استحضرت في ذاكرتي، أقوال زملاء آخرين، يتحدثون بالمنطق نفسه، ولكن ليس عن السرعة الزائدة، وإنما عن التدخين، ويلوذون بالمنطق نفسه، فلو وجدنا من يمنعنا في تلك السن، لما أصبحت عادة تلاحقنا حتى اليوم.
تذكرت أيضا حواراتي مع بعض الشباب، الذين تعلل بعضهم بأنها أول مرة، وآخر بأنه أراد أن يجرب، وآخر أحب التقليد، وآخر يشعر بالزهو حين يفعلها، وكلهم لم يدركوا، أن المصائب الكبرى لا بد لها من أول مرة، وبعدها تأتي مرات، فإذا امتنعنا عن أول مرة، فقد أوصدنا الباب بإحكام، أمام المرات، فلا يمكن أن تكون المرة الثانية، قبل المرة الأولى، فما بالنا بالعاشرة وما فوقها.
سنربي جيلا يحارب الآفات والمنكرات، إذا تمكننا من إقناع فلذات أكبادنا، الذين يحصلون على رخصة القيادة، بأن أول مرة، ولو كانت النية لمرة واحدة، هي مدخل الشيطان، وأن التجرِبة، فيما يضر، ليست رصيدا في الخبرة، وإنما مواقع إصابات، وهو بداية المنزلق، وأن التقليد الأعمى، يزيد صاحبه عمى، فلا ينكر بعد ذلك منكرا، ولا يثني على معروف، وأن الزهو شعور زائف، إذا لم ينطوِ على مروءة وشهامة، وإنجاز مبدع.
مقارنة:
السجائر تحرق صدر صاحبها، وبعض ماله، وصدور بعض المحيطين به.
السرعة الزائدة تحرق صاحبها كله، وماله، ومن يعرفه، ومن لا يعرفه.