قديما وحديثا كنت أؤكد للطلبة الذين أدربهم، أنني أتعلم منهم كما يتعلمون مني، حتى أنني أتعلم من أصغر أبنائي: (مريم) كثيرا من الأمور، التي ألقى الله حكمتها في قلبها ففهمتها هي، وغفلت عنها أفئدتنا، بل ربما حلت بكلمات بسيطة مشكلة كبيرة، تعذر علي حل عقدها، وكان الطلبة يعدون قولي هذا تواضعا مني.
ولداي أحمد وعبد الله يكثران من نصحي في أيام معينة هي: (13، و14، و15) من كل شهر هجري، وقد زعما أنهما يلاحظان اضطرابا في نفوس الناس خلال هذه الأيام، وتوترا في حركة السير، وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم ما أمر بصيامها ـ الأيام البيض ـ إلا لتخفيف الضغط الناتج عن كون القمر بدرا في السماء، الذي ـ على حد زعمهما ـ يؤثر في مياه البحار والمحيطات أفلا يؤثر في دمائنا.
ولأنني ما فتئت أرفض الإقرار بمسلمات علمية بناء على العاطفة الدينية، كما أرفض الاحتجاج بالضعيف من الحديث، والموضوع والمكذوب، والمنكر، حتى لو كان معناه جميلا، لأن في الصحيح ما يغني، فقد أحلت فرضية الشابين المتحمسين إليهما، لما علمت بهما من شخصية متحمسة، تهوى البحث العلمي المبني على أسس قوية، راجيا أن تمدني دراستهما بحقيقة ونتيجة بحثية علمية، بغض النظر عن تعاطفهما وإيمانهما بالحديث الشريف ـ حول الحث على صيام الأيام البيض ـ الذي ربما نفهم بعض حكمته، ولكننا لا نستطيع أن نحصر علته بما يروق لنا.
بعد أيام عادا إلي مندهشين من المعلومات الحاسمة التي توصلا إليها، حيث تبين من المؤشرات الأولية أن الفرضية تميل إلى حد كبير إلى أن تكون صحيحة، وأن معدل وفيات الحوادث المرورية في دبي عام 2010، خلال الأيام البيض يساوي ضعفي معدل وفيات الحوادث المرورية في الأيام الأخرى.
فما كان منهما إلا أن توصلا إلى توصية تدعو السائقين ـ الذين لا يرومون الصيام ـ إلى التحلي بالسكينة ورفع درجة الحيطة والحذر، خلال هذه الأيام التي تتوتر فيها حالة الطريق، داعمين منهجي الأصيل في التوعية المرورية، الذي أسميه (الحالة النفسية للطريق).