نفيُ صحة كلمة ما، في موضع ما، لا يعني نفيَ صحة استخدامها إطلاقا، وإخراجها من قاموس اللغة.
فالكلمة قد تكون فصيحة، ويكون موقعها من الإعراب صحيحا، ويكون تصريفها متوافقا مع علم الصرف، ولكنها تكون في مكان ليس مكانَها، وتؤدي معنى ليس معناهَا، فتحرفُ المعنى، الذي أراده المتكلمُ عن موضعه.
فقد اعتاد الناس وصف الرجل، الذي يملك صفات السماحة والعفو والإحسان، بأنه متسامح، ووصفوا صاحب المروءة، الذي يقدم دعمه وإعانته وخيره للناس، ويعمل على قضاء حوائجهم، بأنه متعاون، ووصفوا الساعي للصلح بأنه متصالح، وكذا من يشارك الناس بعلمه، بأنه متشارك.
وكل تلك الأوصاف أوصاف حميدة، يستحق معناها فاعلوها، ولكنها صفات مشاركة، وليست صفات فرد واحد.
فالتعاون لا يكون من جهة تجاه جهة، والتسامح لا يكون من شخص لآخر، والتصالح لا يكون فعل فرد لغيره، وإنما فعلهما معاً، ومثل ذلك التشارك، وكذلك جل ما جاء على وزن: (متفاعل).
وإنما يكون التعاون بين جهتين أو أكثر، فيستحقون وصف متعاونين، وكذلك التسامح، فيكون أصحابه متسامحين، وكذلك التصالح، فيكون القوم متصالحين، وحين يشارك بعضهم بعضا يصبحون متشاركين، وكذا جل ما جاء اشتقاقه من وزن التفاعل، وإنما يوصف الواحد من ذلك بالمعاون والمسامح والمصالح والمشارك، ويوصف الشخصان بالمتعاونين إذا أعان كل منهما الآخر، وبالمتسامحين إذا سامح كل منهما الآخر، وبالمتصالحين إذا صالح كل منهما الآخر، وبالمتشاركين إذا شارك كل منهما الآخر، وبالمتحابين إذا أحب كل منهما الآخر.
وخلاصة القاعدة: ما كان على وزن متفاعل، لا يصح إلا مثنى أو جمعا، فلا يصح مفردا، إلا لأمور بلاغية ليس هذا موضعها.
جاء في محكم التنزيل: {وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِم مِّنْ غِلٍّ إِخْوَانًا عَلَى سُرُرٍ مُّتَقَابِلِينَ}.
ومعنى (متقابلين): أي يقابل كل منهم الآخرين بوجهه، فيقبلون بوجههم إلى إخوانهم مسرورين برؤيتهم.
ومن ألفاظ القرآن أيضا: {قِطَعٌ مُّتَجَاوِرَاتٌ}، و{فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَلَاوَمُونَ}.
وجاء في الحديث النبوي: (إِنَّ رجلَين كانا في بني إسرائيلَ متحابَّيْن، أحدُهما مجتهِدٌ في العبادَةِ، والآخرُ مذنِبٌ).
ومعنى (متحابين): أي يحب كل منهما الآخر.