يحتال الصحفيون والكتاب لنشر أخبارهم (البائتة)، بتجنب ذكر تاريخ الحدث المحدد، ويستخدمون بدلا من ذلك، كلمة: (مؤخراً)، أو (أخيراً)، وكأنهم يقولون لرئيس التحرير، أو المسؤول عن اعتماد نشر الخبر: إن الحدث وقع منذ فترة بسيطة، وليس قديما، وتنطلي الحيلة على (المدسكين)، الغافلين عن معاني الكلام، ويجتاز الخبر عقبة الحظر: (عقوبة الغفوة الطويلة في أرشيف الصحفي).
ولكن هل – حقا – تعني كلمتا (مؤخراً)، و(أخيراً): منذ فترة وجيزة من الزمن.
بل هل تعني إحداهما أو كلاهما: (سابقاً)، أو (في وقت سابق)، أو (في الوقت الحالي)؟
الحقيقة أن الكلمتين تعنيان أمرا سلبيا، في مبادئ التميز، ربما يرفضه صاحب الخبر، وصاحب الحدث، ومتلقي الخبر، لو أدركه، وفهم معناه.
فالمؤخـَر – بفتح الخاء – هو اسم مفعول، للفاعل أخر، وفاعله مؤخـِر – بكسر الخاء – وهي بعكس المُقـَدم، وهذا يعني أن الحدث تأخر عن وقته الطبيعي، بفعل فاعل، أو لضعف، أو لعلة تستدعي السؤال والاستفسار: لماذا أُخر الأمر عن موعده؟ مع أن الجهات المسؤولة، تفخر بأنها تنجز أعمالها، في وقتها أو قبل وقتها.
واستخدام كلمة (مؤخراً) بعد الفعل تؤدي معنى الحال، ولا تؤدي معنى ظرف الزمان، بأي حال من الأحوال، فيصبح حال الحدث مؤخراً، وكأننا نقول فعلنا ذلك، وهو خارج وقته، ومتأخر عنه.
وإذا أضيفت كلمة (مؤخر) إلى شيء، أصبحت تعني الجزء الأخير، أو الخلفي منه، وقد جاء في الحديث النبوي: (قوم استَهموا في سفينةٍ مِن سُفنِ البحرِ فأصاب أحدُهم مؤخَّرَ السَّفينةِ).
وقال عبادة بن الصامت: (بصر رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم برجلٍ في مؤخرِ مسجدِه).
أما لفظة (أخيراً) التي تنوب عندهم عن لفظة: (مؤخراً)، فلا تزيد الطين إلا بِلة، فالأخير على وزن فعيل، اسم مشبه باسم الفاعل، ويأتي اسماً مشبهاً باسم المفعول، والأخير هو الذي سبقه شيء تقدم عليه.
جاء في كتب الحديث: (فرأيْتُ الميِّتَ على فِراشِهِ أمامَهُم، ورأيْتُ الَّذي استُشهِدَ أخيرًا يَلِيهِ، ورأيْتُ أوَّلَهُم آخِرَهُم.(
وجاء أيضا: (أيُّ القراءتينِ كانت أخيرًا: قراءةُ عبدِ اللهِ، [أو] قراءةُ زيدٍ)؟