اقترنت كلمة (مأوى) كثيرا بالجنة ونعيمها، واقترنت كلمة (مثوى) بالنار وعذابها، في القرآن الكريم، فظن بعض المجتهدين، أن كلمة (مثوى) تحمل معنى العذاب والجحيم، فذهبوا إلى تحريم قول القائلين عن الميت: (انتقل إلى مثواه الأخير)، حتى لا يكون في النار.
والحقيقة أننا نشاركهم الرأي في عدم قبول كلمة (الأخير) في الجملة: (انتقل إلى مثواه الأخير) – إلا أن يكون الأخير في الحياة الدنيا – ولكن ليس لأن المثوى مكان في النار، وإنما لأننا نعتقد أن القبر ليس المثوى الأخير، وإنما هو مثوى يطول البقاء فيه، فنحن نؤمن باليوم الآخر والبعث، وأن بعد القبر والبرزخ حياة أخرى، وأن المأوى والمثوى الأخير يكون في الجنة أو في النار.
ولكننا نختلف معهم اختلافا في فهم معنى مثوى، الذي هو رديف لمعنى مأوى، مع بعض الاختلافات البلاغية.
فالمأوى هو المكان الذي يأوي إليه الإنسان وغيره فيؤيه ويأويه، ومنه قوله تعالى: {قَالَ سَآوِي إِلَى جَبَلٍ يَعْصِمُنِي مِنَ الْمَاء}، وقوله تعالى: {أَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَلَهُمْ جَنَّاتُ الْمَأْوَى نُزُلًا بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ}.
وفي حديث البيعة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال للأنصار: (تؤووني وتنصروني)، وقال: (لا يأوي الضالة إلا ضال)، ويقال أويت إلى المنزل، وأويت غيري وآويته.
أما الثواء والمثوى فهو بمعنى المأوى، ويضاف إليه معنى طول المقام، وتقييد الحركة والانتقال: (ثويت بالمكان، وأثويت به: أطلت الإقامة به).
ومما جاء في التنزيل دالا على عدم حتمية العذاب بكلمة مثوى: {وَقَالَ الَّذِي اشْتَرَاهُ مِن مِّصْرَ لاِمْرَأَتِهِ أَكْرِمِي مَثْوَاهُ عَسَى أَن يَنفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا…}.
كما جاءت كلمة مأوى مرتبطة بالكافر: {أفمن اتبع رضوان الله كمن باء بسخط من الله ومأواه جهنم وبئس المصير}.
وجمع الله في آية واحدة المأوى والمثوى للكافر: {سَنُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُواْ الرُّعْبَ بِمَا أَشْرَكُواْ بِاللّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَمَأْوَاهُمُ النَّارُ وَبِئْسَ مَثْوَى الظَّالِمِينَ}.
وجاء في الحديث: (الضيافةُ ثلاثةُ أيامٍ، وجائِزَتُه يومٌ وليلةٌ، وما أُنْفِقَ عليه بعد ذلك فهو صدقةٌ، ولا يَحِلُّ له أن يَثْوِيَ عندَه حتى يُحْرِجَهُ).