كان الله في عون الآباء، والأمهات أيضا..
وكان الله في عون المربين، والمعلمين، والخطباء، والمفكرين.
فيما مضى من الأزمان، كان هؤلاء غارقين ومهووسين، في أولوية التربية والتعليم، ويرون الفضل في الأدب والأخلاق، بأدق تفاصيلها، صدقا، وحياءً، وشجاعة، ووفاء، وأحيانا فصاحة، وبلاغة، ويرون العلم بعد ذلك، مكملا لتلك المنظومة من الفضائل، لا يستقيم إلا بها، حتى قالوا: تعلموا العلم، وتعلموا للعلم الأدب.
وفي أحيان متفرقة، كان هؤلاء يتوغلون بعض الشيء، في آداب خاصة، كأدب التعامل مع المعلم، أو الأمير، أو الجار، أو القريب والصديق، وكلها تصب في منظومة مكارم الأخلاق، التي تدل عليها السليقة والفطرة، فألفوا (الأدب الملكي)، و(الأدب الملوكي)، و(أدب التعامل مع الأمير)، و(أدب تعامل الجند مع قائدهم).
أما اليوم، فهناك منظومات أخلاقية أخرى، غفلنا عنها، بعضها من الإرث القديم المتطور، كأدب التعامل مع مفردات السوق، وأهل السوق، وأدب التسوق، وأدب السفر، وأدب التعارف، وأدب التعامل مع الجار، فوضعنا لها ضوابط أخرى، ما كان ليرضى عنها من سن للأخلاق دربا، وبعضها اقتحمت حياتنا، فما رعيناها حق رعايتها، بل ربما ينكر علينا بعضنا أن نسن لها آدابا، كأدب مشاهدة التلفزيون، وأدب الاستماع إلى الإذاعة، أو المسجلات، وأدب التعامل مع الحاسوب، وأدب التعامل مع الشبكة العالمية: (الإنترنت)، وأدب قيادة المركبة، واحترام جيران الطريق، وأدب ركوب المركبة، حتى أصبحت أخلاق بعض شبابنا مرقعة.
ففي الجانب الذي أدرك أبوه أهميته، هو في منتهى الصدق، والوفاء، والحياء، والأدب، واحترام الكبير، وفي الجانب الذي غفلنا عن تقويمه، هو شاب غير منضبط بأية ضوابط، ما خلا خوفه أحيانا من سطوة القانون، فلا بأس أن يحترمك حين تتعامل معه، وترى منه أسمى الأخلاق الحميدة، ولكن لا بأس أيضا أن يعرضك، ويعرض نفسه والآخرين لمخاطر شتى، قد تصل إلى القتل، حين يمتطي مركبته المحببة، التي يفرغ فيها شحناته الثائرة.
لفت انتباهي عدد من الشبان، ذوي الثقافة المرورية العالية، والسلوك القويم في الطريق، والوعي لضرورة نشر آداب الطريق بين الجيل، مع صغر سنهم، وصغر سن رخص قيادتهم للمركبة، فتتبعت سيرتهم المنزلية، لأكتشف أن لهم آباءً وأمهات، غرسوا في أنفسهم منذ صغرهم: أن أدب الطريق، لا يقل أهمية عن أدب المنزل، والمدرسة، ومن شابه أباه فما ظلم.