بينما كنت أقترب من الإشارة المروية الضوئية، التي تنظم حركة المشاة، ببطء شديد، لأثبت مركبتي قبل معبر المشاة، بعد أن أشارت لي من بعيد، أنها سمحت لهم بالعبور، عبر أحد المشاة مطأطئا رأسه، متلفحا بغطاء رأس، حجب عنا رؤية وجهه، الذي أوحت مشيته أنه بائس فقير، وحجب عنه رؤيتنا، لأنه استثقل الالتفات إلينا.
الصورة الحزينة التي كان عليها، لفتت انتباه أفراد أسرتي، الذين راحوا يرمقونه بأسى، مشفقين على حالته وبؤس هندامه، لتفطن ابنتي الصغيرة، إلى ما هو أدعى للشفقة عليه، والترحم على حاله، مما لاحظه إخوانها، قائلة: يا أبي هذا الشخص عبر الطريق، دون أن يكلف نفسه عناء الالتفات، للتأكد من خلوه من المركبات.
أخوها الأكبر الذي تشرب قوانين المرور، وواجباته وحقوقه، وآداب الطريق، انبرى للرد عليها قائلا: ولكن حق عبور الطريق كان له، بعد أن أضاءت له إشارة عبور المشاة الخضراء، وأغلقت الإشارة المرورية الضوئية الحمراء، الطريق في وجه المركبات، ومنها مركبتنا، التي تنظم حركة المركبات والمشاة، وتوزع الوقت بينهما، ضمن مقاييس وقواعد علمية مدروسة.
الطفلة الصغيرة لم تتوقف كثيرا، عند رد أخيها القانوني العلمي، لأنها كانت تستمع من داخلها، إلى نداء الفطرة، والسليقة، والفطنة، والحكمة، فسألت أخاها: وإذا كان أحد السائقين غافلا، ولم ينتبه إلى الإشارة المرورية الضوئية الحمراء وواصل سيره، فبادرها أخوها: عندها يكون السائق هو المخطئ، ويعاقبه القانون، فأفحمته بسؤالها: وماذا يستفيد الماشي من القانون، بعد أن تحطمه إحدى المركبات؟ ولماذا لم يحم نفسه بالتفاتة بسيطة، تحمي جسده وسلامته؟ وتجنب السائق المخطئ، التورط في جريمة قتل؟
على بساطة كلمات هذه الصغيرة، فإنها تشكل مبدأ عظيما في السلامة، التفت له مسؤولو المرور والتوعية، حين جعلوا شعار أحد أسابيع المرور: (احذر أخطاء الآخرين)، ولم يعد يقنعهم الاكتفاء بدعوة الجمهور، للالتزام بقواعد السير والمرور، لأن غير الملتزم يضيع نفسه، ويضيع الآخرين، إن لم يحذروا خطأه، ويحسبوا له حسابا.
يروى أن صديقين: (أعمى وأعرج)، التقيا واتفقا على الذهاب إلى مكان آخر، فقال أحدهما، ليمش كل منا بمفرده، حتى لا يتندر علينا الناس فيقولوا: أعمى وأعرج يمشيان، فقال له صاحبه: ما يضرنا أن نمشي، ويتندروا علينا، فيأثموا ونؤجر، فقال له صاحبه الفطن: وما يضرنا لو سلموا وسلمنا.