مبدأ عظيم، سنه لنا رسول الله محمد صلى الله عليه وآله وسلم، منذ أربعة عشر قرنا، لو اهتدينا بهداه، لأراحنا من العديد من الدروس والمناهج، والمحاضرات والحملات، في مختلف مناحي الحياة حين قال: (إن الرفق لا يكون في شيء إلا زانه، ولا ينزع من شيء إلا شانه) وفي رواية أخرى زاد: (وإن الله رفيق يحب الرفق).
في رمضان، تكثر الحوادث المرورية، قبل الغروب بقليل، وكأن الموت في سبيل الوصول إلى المائدة، قبل غروب الشمس شهادة في سبيل الله، وتتحول الطرقات إلى حلبات سباق، أبطالها الصائمون، بدل أن يكونوا أبطال التقوى، كما أراد لهم ربهم من الصيام.
في صلاة الجماعة، التي نعرف فضيلتها جيدا، وفضيلة الصلاة في أول وقتها، أمرنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، بالسعي إلى الصلاة بسكينة، حتى وإن تأخرنا عن الجماعة، فما أدركنا نصلي وما فات نقضي، ونهانا عن العجلة.
الرسالة واضحة: عند اقتراب الغروب، لا يكفي أن نسير بالسرعة القانونية، وباطمئنان شديد لروحانية من حولنا، بل يجب أن نخفض السرعة، ونحذر خطأ من حولنا، لنحمي أنفسنا، وربما نحميهم كذلك.
ولكن من هذا الذي حولنا، الذي يجب أن نتقيه إلى هذا الحد؟
الصورة أكثر وضوحا، مما نتصور، وأترك للقارئ تقدير الوضع: كم شخص ممن حولنا، كان ساهرا أمسه، حتى اقترب وقت شروق الشمس، حتى لا يفوته السحور، ولا تفوته صلاة الفجر، فأوى إلى فراشه، ليفز بعد سويعات من نوم النهار ـ الذي لا يسمن ولا يغني من جوع ـ إلى مقر عمله، مستنفدا خلاله ما ادخره من طاقة السحور، متثاقلا على مكتبه، ليخرج من دوامه بعد ذلك، في رحلة تسوق لحاجات أهله بعد انتهاء دوامه، تـَهوِي بما بقي لديه من جهد، وينطلق عائدا قبل أذان المغرب، إلى بيته يسابق الريح، وقد سلب تركيزَه السهرُ والعطشُ والجوعُ، وانشغالُ البال بالمائدة العامرة.
أبناء ذاك الرجل يقولون له: تأخرك قليلا عن مائدتنا، أفضل من أن نحضر لك فطورك في الطريق، وأنت تنتظر دورية الشرطة، لتخطيط الحادث (البسيط) الذي حجزك هذه اللحظات الثمينة.