حالة علمية أدهشتني، ووقفت عندها متفكرا، دون أن أتكئ على علم لدي، أعتد به، فلم أكن يوما من هواة البحث بالقضايا الطبية، والأغذية وفوائدها، وظواهر الجسد وأدوائه، إلا ما اتصل منها بالإثر.
وبعد أن أعدت الأمر إلى أهله (علماء الطب – خاصة أطباء العيون)، منتظرا تفسيرهم العلمي، عرجت إلى ما أجول به وأصول، مما وهبني الله من فنون الأدب المروري، والثقافة التراثية، لأجد راحة بال، تعز على من لا يتقن فنونهما.
فعندما يقترب المساء، وتأذن الشمس بالغياب، تضطرب حواسنا البصرية، فلا الشمس تمنحنا الضياء الذي نرجوه، ولا مصابيح الليل تعوضنا عن غياب الشمس، حتى لو كان القمر بدرا، فتضعف قوة بصرنا حتى، يحكم الليل غسقه، ليصبح للمصابيح معنى، وكأن المصابيح استحت أن تضيء، ومازال للشمس في سمائنا زرقة.
في ثقافة الأدب المروري، الذي بدأت أتبناه منذ أكثر من 40 عاما، حين سمعت فتوى للشيخ عبد العزيز بن باز ـ رحمه الله وغفر له ـ حرم فيها السرعة الزائدة، وعدها قتلا للنفس، دأبنا أن ننصح الناس، أن ينيروا مصابيح مركباتهم، قبل غروب الشمس ـ غروبا شرعيا ـ بدقائق، ساعدنا على تحديد مدتها المصابيح التلقائية، في المركبات الحديثة، التي تضيء حين تضعف الرؤية، وتنطفئ حين يسود النور، مدركة حاجة أعيننا أكثر منا، حيث نكابر أحيانا، ونزعم أننا نرى قبل شروق الشمس، وقبل غروبها، كما نرى في واسطة النهار، غافلين عن أن أهمية إضاءة مصابيح مركباتنا، تفيد غيرنا ليرانا أيضا، كما تفيدنا لنراه.
خرج يوما رجل كهل من منزله، إلى صلاة الفجر، حاملا بيده مصباحا يضيء به الطريق، فلما انتهت الصلاة، أدرك أحد الفتيان الفضوليين، أن الرجل الكهل، أعمى لا يفيده المصباح ولا يضره ـ على زعمه ـ فتعمد الاصطدام به، فتوقف الكهل، مستمعا إلى الفتى الفضولي، الذي قال له: يا عم مادمت أعمى، لا ترى، وتستوي عندك الظلمات والنور، فما فائدة المصباح الذي تحمله ليلا؟ فقال: يا بني أنا أعرف دربي للمسجد جيدا، ولا أحتاج إلى مصباح لينير طريقي، ولكنني أحمله حتى يراني الآخرون، ولا يسقطني أعمى بصيرة مثلك.