(نكتل) اسم رجل آسيوي، أهله أناس بسطاء، يحبون كتاب الله وما فيه، فحين أنجبته أمه اختار له أبوه اسما من القرآن: {قَالُواْ يَا أَبَانَا مُنِعَ مِنَّا الْكَيْلُ فَأَرْسِلْ مَعَنَا أَخَانَا نَكْتَلْ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ}، وما علم المسكين، أن نكتل ليس اسم شقيق يوسف عليه السلام، وإنما هو فعل مضارع، جاء جوابا لفعل الأمر.
ومثله صديق لنا من الصحفيين، ما أن تلوح أمامه كلمة (دون)، حتى يتقدمها عنده حرف الجر (من)، لأنه رآها في كتاب الله كهذا، ولا تصح عنده (دون) مجردة من (من) أبدا.
ولعل صاحبنا المتمسك بتزويج (من) و(دون) زواجا مؤبدا ينطبق عليه قول الشاعر: قل لمن يدعي في العلم فلسفة //// علمت شيئا وغابت عنك أشياء.
فقد ورد لفظ (دون) في القرآن والسنة متصلين، ووردت دون مستقلة بذاتها.
قال الله تعالى: {أَئِفْكًا آلِهَةً دُونَ اللَّهِ تُرِيدُونَ}.
وجاء في الحديث: (ليس فيما دونَ خمسِ أواقٍ صدقةٌ).
فيصح في كلام العرب أن تأتي (دون) مفردة، ويصح أن تأتي مسبوقة بحرف الجر (من)، ويصح أن تأتي مسبوقة بـ (ما) الموصولة، وأجاز بعض المتأخرين أن يسبقها حرف الجر (الباء) على ضعف رأيهم.
و(دون) لها معانٍ عدة منها: (قبل، وبعد، وأمام، وفوق، وتحت، والساقط، والشريف، وعلى، وعند، وغير، وأقل، والخسيس، وتستعمل للأمر، والوعيد، والاستثناء).
و(من) ليس حرفا زائدا، وإنما له معانٍ عدة منها: (الابتداء، والتبعيض، ولبيان الجنس، وموافقة معنى عند)، وهذه المعاني عادة تتوافق مع اتصالهما، ولكن لها معاني أخرى لا تقبل الاتصال مثل: (التعليل، والبدل، ومرادفة على، وللفصل، وللمجاورة، وللغاية، وللتنصيص، ومرادفة عن وفي والباء، ولتوكيد العموم).
وقال الزمخشري: (دونه خرط القتاد، أي أمامه).
وقال الشاعر: (ويقنع بالدون من كان دونا).
وقال السيرافي في شرحه لكتاب سيبويه: ذكر سيبويه (دون) في معنيين أحدهما أن تكون ظرفا، ولا يجوز فيه غير النصب، وإنما تستعمل في معنى المكان تشبيها، فيقال عمر دون زيد في العلم، وأما الموضع الآخر، فتكون بمعنى (حقير).