هل كلمة: (صحيح) شنيعة حقا؟
وهل هي تجن من العالم على من سبقه؟
وهل تصحيح الحديث وتضعيفه بدعة جديدة لم يعرفها السابقون؟
شاع لدى بعض العوام، الجهال بأصول علم الحديث، اتهام الإمام الألباني، (وغيره من المحدثين)، بأنه يقول كلمة شنيعة، حين يضع كلمة: (صحيح) بعد حديث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، الذي أورده من سبقه من المحدثين، وعلماء الحديث الكبار كالبخاري.
وللإنصاف: نبين أن ذلك من جهل المتكلمين، وعدم فقههم لفنون علم الحديث، وعقيدة هذا العلم.
- حين يقول المحدث عن حديث صحيح أو غير صحيح، فإنه يقصد صحة النسبة لرسول الله، وليس أن الرسول قال قولا صحيحا أو غير صحيح.
- وحتى لو وصف أحدهم حديث رسول الله بأنه (صحيح)، نافيا عكس معناها ـ بعيدا عن علم الجرح والتعديل ـ فإن ذلك ليس شنيعا، وإنما هو ثناء ومدح وشهادة، فنحن نقول عن القرآن: {صدق الله}، نافين عكس معناها، ونقول: (أصدقَ الحديثِ كتابُ اللهِ).
- عند المحدثين: المعصوم هو رسول الله وحده، وكل ما يصلنا من سنته، يجب أن يخضع لعلوم الحديث، للتأكد من صحة نسبتها إليه.
- حين يقول عالم الحديث عن أي حديث: صحيح أو غير ذلك، فإنه يقول رأيه، ويقدم علمه، بناء على المعايير والشروط التي يتبعها، والشروط تختلف حتى بين البخاري ومسلم.
- رأي أي محدث في حديث ما، لا يلغي رأي غيره، ويتوصل فقهاء الحديث إلى الحكم النهائي على الحديث، بعد النظر في كل آراء المحدثين، وعللهم وأحكامهم.
- كلمة (صحيح)، التي يضعها العالم في آخر الحديث هي شهادة منه على ذلك، ويصح هذا القول حتى في القرآن، فربما قرأ أحد آية برواية لا نعرفها، فنقول له أخطأت، فيأتي العالم بعلم القراءات ليقول: بل الآية (صحيحة)، فهو لا يعني أن الله أصاب، وإنما أن الذي قرأ أصاب في القراءة.
- اختلاف العلماء بصحة نسبة الحديث لرسول الله من دلائل نبوة الرسول، وأن القرآن هو حقا الوحيد الذي تولى الله حفظه، بينما لم يتمكن البشر من حفظ كل حديث رسول الله.
- مهما بلغ أي كتاب من الصحة والدقة والصواب فإنه لا يمكن أن يكون تاما كاملا منزها عن الخطأ ككتاب الله ولا يمكن أن يكون: (ليس فيه أي خطأ على الإطلاق).
- على الرغم من مرونة أحكام العلماء ببعض الأحاديث، واختلافهم في درجة صحتها، فهم مجمعون على أن الدين لا يؤخذ إلا من الحديث المتفق على صحته، ومتفقون على رفض الحديث الموضوع، رفضا تاما.
- نظر عالم الحديث المتأخر في علم من سبقه وتنقيحه، ليس بدعة ابتكرها الألباني بحق البخاري، فقد سبقه إليها الأولون، فقد قال الترمذي عن بعض حديث مسلم: (صحيح)، ولم يكتف برأي مسلم، وقال مسلم عن بعض حديث البخاري: (صحيح)، وقال البخاري عن بعض حديث أحمد: (صحيح)، وقال أحمد عن بعض حديث الشافعي: (صحيح)، وقال كل محدث عمن سبقه من المحدثين رأيه بصحة نسبة الرواية لرسول الله من عدم صحتها، بناء على الشروط التي التزمها.
- علوم الحديث من أعظم العلوم الإنسانية وهي لا تقتصر على زمان ومكان، بل تمتد إلى آخر الزمان، وسيظل العلماء يدرسونها ويفصلونها.