المِئة والمِائة
لغة العرب ليست متحجرة على نفسها، ولكنها تستوعب التطوير والتحديث والاستنباط، والاصطلاح على معانٍ وألفاظ جديدة، تتواكب مع تطور الحياة.
ولعل المعيار الفيصل، بين المصطلح المستنبط استنباطا صحيحا، وغير الصحيح، هو درجة علم من أطلق الاصطلاح، ومعرفته لقواعد اللغة، وهو ما يؤيد دعوتنا للرجوع لأهل العلم والاختصاص، قبل التجرؤ على الغوص، في لغة القرآن، لمن لا يتقن سبر أغوارها.
فالعدد (100) اتفق العرب في قديم الزمان على كتابته بالألف: (مائة) مع أنهم يلفظونه: (مئة)، وزادوا هذه الألف لتمييزه عن حرف الجر والضمير: (منه)، بسبب عدم التنقيط والهمز والتشكيل.
ولما تفشى الجهل بين الناس، وسادت العامية الثقافية، ذهب كثير من الإعلاميين والمثقفين، إلى نطق الألف التي يرونها أمامهم: (مائة)، مما دفع مجامع اللغة العربية، والغيارى على لغة القرآن الكريم، إلى إجازة كتابة العدد (100) بالصيغتين: (مائة، ومئة)، بل ذهب بعضهم إلى ترجيح كتابتها كما تلفظ: (مئة)، خاصة في وسائل الإعلام، والمواد المكتوبة للعوام من الناس.
يقول ابن قتيبة: (و”مائة” زادوا فيها ألفاً، ليفصلوا بها، بينها وبين “منه”)،
ويقول القلقشندي: الألف تزاد في مواضع منها بعد الميم، في مائة، فتكتب على هذه الصورة: (مائة)، للتفريق بينها وبين منه، وجُعل الفرق في مائة، ولم يجعل في منه، لأن مائة اسم، ومنه حرف واسم، والاسم أحمل للزيادة من الحرف.
أما ما ركّب مع المائة من الآحاد، فإنه يوصل بالمائة، فنقول (ثلاثمائة، وأربعمائة)، وإنما وصلوا ذلك للتخفيف، فإن أضفنا الكسور إلى المائة، فلا توصل فنقول (ثـُلث مائة، ورُبع مائة).
أما في حالة الجمع، فقد اتفقوا على منع الزيادة، فكتبوا مئين ومئات، بغير ألف بعد الميم، لجواز تغير جمع التكسير عن الواحد.
واختلفوا في المثنى، فقال بعضهم: لا تزاد الألف في مئتين، لأن موجب الزيادة اللبس، ولا لبس في التثنية، ورجح بعضهم الزيادة، فكتبها مائتين، لأن التثنية لا تغير الواحد، عما كان عليه.