سوف لن!
البلاغة والإيجاز، من أجمل خصائص لغة القرآن، التي لا تتمتع بها أية لغة أخرى، فيغني الحرف عن الكلمة، وتغني الكلمة عن الكلمتين، بل ربما تغني فيها الكلمة أو الحرف عن الجملة، دون أي خلل في المعنى.
ومن أشد ما أصاب أهل هذه اللغة العظيمة من عور وعجز، تفكير أهلها بألفاظ اللغات الأخرى، وترجمة تفكيرهم إلى لغتهم الأم، باستبدال كلمات بكلمات، وأحرف بأحرف، فتكون الترجمة مسخا.
فإذا أراد العربي أن يثبت لنفسه فعلا قال في الماضي: فعلت، وفي الحاضر: أفعل، وفي المستقبل: سوف أفعل أو سأفعل، مستخدما: (سوف)، أو (س) الاستقبال، لتبيان أن الأمر سيحدث مستقبلا.
وإذا أراد العربي أن ينفي ذلك الأمر، نفاه بالماضي بحرف النفي: (لم)، الذي يدل على الماضي، فتصبح عبارته: لم أفعل، وبالحاضر بحرف النفي: (لا)، الذي يدل على الحاضر، فتصبح: لا أفعل، وفي المستقبل بحرف النفي: (لن)، وهو حرف نفي ونصب واستقبال يدخل على المضارع فينصبه، وينفي معناه، ويُحَوِّله من الحاضر إلى المستقبل، فتصبح: لن أفعل، ولا يصح أن يقول: (سوف لن أفعل) لأن حرف النفي: (لن) فيه معنى الاستقبال، فيصبح استقباله بـ (سوف)، أو (س)، لا معنى له وركاكة، ليست من خصائص لغة العرب، وسوف لا تدخل إلا على الفعل المثبت (غير المنفي)، ولا يجوز الفصل بينها وبين الفعل، إلا لضرورات الشعر.
وقد أثبت القرآن الكريم والحديث النبوي وديوان العرب عمليا هذه القاعدة، فعلى الرغم من استخدام القرآن الإثبات والنفي في المستقبل مئات المرات، فإنه لم يستخدم سوف أو الـ (س)، في جملة منفية أبدا، واكتفى بنفي ما أراد بحرف النصب: (لن)، بينما أبقى استخدام سوف أو الـ (س)، في الجملة المثبتة فقط.
ومن أمثلة ذلك في الإثبات:
{وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتَغَاء مَرْضَاتِ اللّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا}.
{لِّكُلِّ نَبَإٍ مُّسْتَقَرٌّ وَسَوْفَ تَعْلَمُونَ}.
{وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ اللّهُ مِن فَضْلِهِ}.
ومن أمثلة ذلك في النفي:
{قُل لَّن يُصِيبَنَا إِلاَّ مَا كَتَبَ اللّهُ لَنَا}.
{وَأُوحِيَ إِلَى نُوحٍ أَنَّهُ لَن يُؤْمِنَ مِن قَوْمِكَ إِلاَّ مَن قَدْ آمَنَ}.