أكد الأمر
لاتزال معاناتنا من أخطاء وسائل الإعلام الشائعة تزداد، مع ازدياد ضعف اللغة العربية، لدى مخرجات التعليم، وكلما ازداد الاهتمام بالإعلام التقني، على حساب الإعلام المعرفي، في الثقافة واللغة والتراث.
ومما (يزيد الطين بـِلة) جفوة الإعلاميين والصحفيين والمثقفين والكتاب للغتهم، وعدم الاجتهاد في تعلم أصولها والبحث عن الصواب، وركونهم إلى أساليب نمطية في اللغة، يفتتحون بها فقرات أخبارهم مثل: (وأضاف، وأشار، وأكد، ونبه، وقال، وأكد، وحذر)، فلا يكاد يخلو خبر من هذه الفاتحات، ويزداد الأمر سوءاً، حينما يعتاد الإعلاميون كتابة (فاتحة) لفقرات خبرهم، مبنية على باطل، وقد شاعت بينهم، حتى غدت إحدى لوازم أخبارهم، بعد أن تلقنوها، ممن سبقهم في المهنة، فصار فعله عندهم، حجة على صحتها.
ومن ذلك إصرار جل الصحفيين (إن لم يكونوا كلهم)، على تحويل الفعل: (أكد)، من متعد إلى مفعول به، إلى فعل لازم يتعدى بحرف الجر: (على)، أو حرف الجر: (ب)، وهو ما لا يصح لغة، ولا فهما، ولا أثرا، فيقولون: أكد على الأمر، وأكد على حرصه، والصواب هو: أكد الأمر، وأكد حرصه، لأن (أكد) معناها ثبـَّت وأثبت ووثق، وليس بنى أمرا على أمر.
ويصح استخدام حرف الجر (على) المفيد للتسلط والاستعلاء، باقترانه بالمؤكد له، لا بالفعل كقولنا: (أكد على طلبته أهمية الاجتهاد).
كما شاع إقحام حرف الجر (ب)، مع التوكيد في المصدر المؤول، فيقولون: أكد بأن الأمر مهم، والصواب أن يقولوا: أكد أن الأمر مهم، دون زيادة حرف الباء.
وإنما يصح استخدام حرف الباء، في غير مفعول أكد، فنقول: أكد حرصه على النجاح باجتهاده، وأكد أن النجاح بالاجتهاد، فتعلق الباء بالجملة الأولى بالحرص، لا بالفعل أكد، وتعلق بالجملة الثانية بالنجاح.
وقد جاء في المعجم: (أكد العهد والعقد لغة، في وكده، والتأكيد لغة في التوكيد، وقد أكدت الشيء ووكدته، وقال ابن الأعرابي: دست الحنطة ودرستها وأكدتها).