سؤال وجيه اعترض به أحد الإخوة الأكارم على أحكام المحدثين المعاصرين:
هل يحق للألباني أو لابن باز أو لأي محدث لم يعاصر القرون الأولى، ولم يشارك بجمع الحديث النبوي، أن يقول للحديث: صحيح، أو حسن، أو ضعيف، أو موضوع، أو غير ذلك، خلافا لحكم من سبقه؟
بداية نقول: من عظمة علم الحديث أنه يظل علما مفتوحا، يستزيد الناس من خيره، ويكون للمخلصين فيه أثر طيب، حتى آخر الزمان..
إن حكم محدث معاصر، (بحجم الألباني وبعلمه)، في الحديث، أمر مفهوم لدى علماء الحديث، ومتفق عليه، وهو يقع ضمن أمور عدة منها:
- يخبر بما استقر عليه رأي المحدثين السابقين، ليستفيد معاصروه، ويغنيهم عن البحث.
- يرجح رأي فريق على رأي فريق، بناء على معايير ارتضاها أحد المحدثين السابقين، كقولهم: على شرط الشيخين، أو شرط البخاري، أو شرط مسلم.
- يعرض رأيا محدثا بناء على أمر محدث مسوغ، كحديث: (اللهم إنك عفو [كريمٍ] تحب العفو)، الذي أنكر فيه زيادة: [كريم].
- يجد للحديث شاهدا، عند أحد المحدثين السابقين، لم يجده راوي الحديث الأول، ولم يعرفه أو لم ينتبه إليه، فيرفع درجة الحكم فيه.
- يجد للحديث متابعا، عند أحد المحدثين السابقين، لم يجده راوي الحديث الأول، ولم يعرف أو لم ينتبه إليه، فيرفع درجة الحكم فيه..
- يجد للحديث طرقا أخرى، عند عدد من المحدثين الذين حكم كل منهم على الحديث بطريق واحدة، فيرتقي عنده الحديث، من غريب إلى عزيز، ومن عزيز إلى مشهور، وربما من حديث آحاد إلى حديث متواتر.
- ربما وجد العالم المعاصر علة عند أحد المحدثين، في حديث رواه غيره، ولكن راوي الحديث لم يفطن لتلك العلة، كقول البخاري في بعض الأسانيد: فلان لم ير فلانا، ولم يسمع منه، دون تعرض صاحب العلة لنص الحديث، الذي رواه غيره، بهذا السند وصححه.
- ربما وجد العالم المعاصر أكثر من علة عند عدد من المحدثين، في حديث رواه غيرهم، ولكن راوي الحديث لم يفطن لتلك العلل، دون تعرض من ذكروا العلل لنص الحديث، الذي رواه غيرهم بهذا السند وصححه.
- ربما وجد العالم المعاصر جرحا عند أحد المحدثين، في حديث رواه غيره، ولكن راوي الحديث الأول لم يفطن لذلك الجرح، كقول بعضهم في بعض الأسانيد: فلان لم ير فلانا ولم يسمع منه، إلا بعد أن فقد (ذاكرته)، أو كبرت سنه، دون تعرض العالم المعاصر لنص الحديث، الذي رواه غيره بهذا السند وصححه.
- ربما وجد العالم المعاصر أكثر من جرح، عند عدد من المحدثين السابقين، في حديث رواه غيرهم، ولكن راوي الحديث لم يفطن لتلك الجروح، دون تعرض من وجد الجرح لنص الحديث، الذي رواه غيره بهذا السند وصححه.
- ربما وجد العالم المعاصر جرحا أو علة، في كتب الرجال والسير المعتمدة، في حديث لم يفطن راويه لهذا الجرح أو هذه العلة، فينزل حديثه عن درجته بمقدار الجرح والعلة.
- أو ربما أورد أحد المحدثين السابقين حديثا، في أحد كتب الفقه أو الأسانيد أو التفسير، دون أن يبين مدى صحته، فيأتي العالم المعاصر ويخضعه لمعايير وشروط السابقين، ليبين درجة صحته.
- وربما نجد مستقبلا بعض المحدثين يحسـِّنون بعض أحاديث الآحاد، أو يصحـِّحونها، بعد أن كانت ضعيفة عندهم، لعلة في فهم المعنى، بعد أن تظهر لهم أبحاث علمية، أو نبوآت لرسول الله ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ تؤيدها وتجلو الغشاوة عنها.
- وهناك تفاصيل أخرى، لا يتسع المقام لذكرها، ولكن أردنا ألا نبخس الناس أشياءهم فقط.