لا تقل: كافة الإدارات.
وقــل: الإدارات كافة.
يبدو ظاهريا أنه لا فرق بين الجملتين: (تطوير كافة الإدارات)، و(تطوير الإدارات كافة)، ولكن لغة العرب، لا تحتمل ذلك التسيب واللحن والميوعة، بل حين تتبين دلالة موضع (كافة)، آخر القول، يظهر جليا خطأ وضعه أوله.
فكلمة (كافة) لا تستعمل في كلام العرب إلا حالا، ولا تأتي مضافة، ولا مضافا إليه، وعموم معناها: الكل والجميع، وتأتي بعد تمام الكلام، لتؤكد شموله.
وقد توهم من ظن أن كلمة (كافة)، تعني (كل) أو (جميع) أو (معظم)، والحقيقة أن كلمة (كافة)، وإن كانت تحمل تلك المعاني، فإنها لا يجوز أن تنوب عنها، لأنها لا تعنيها بمفردها، فالكف لا يعني الكل فقط، ولا يصح أن نضع مفردة مكان مفردة، تقترب من معناها، بتركيبها المؤول والمقدر.
فإذا أردنا أن نعرب كلمة (كافة)، في قوله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ ادْخُلُواْ فِي السِّلْمِ كَآفَّةً}. فإنها حال للضمير أي ادخلوا في السلم، وأنتم مجتمعون كلكم معا، وليس ادخلوا في السلم كلكم فقط، وبالتدريج، وقوله: {وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنفِرُواْ كَآفَّةً}، فلو كانت كلهم، لكان معناها أن ينفر بعضهم وليس كلهم، أما كافة هنا فمعناها مجتمعين، ويستطيعون أن ينفروا كلهم، ولكن ليس وهم مجتمعون معا.
أما الوهم الذي تلبس بعض من ظن جواز استخدام كافة مضافا، بمعنى (كل) فقد دخلهم من قوله تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ}، فقد تقدمت كافة على الناس، ولو كان الأمر كما ظنوا لكانت (لكافة الناس)، وإنما انتهى المعنى الأول عند لفظة (كافة)، أي ما أرسلناك أنت إلا كافة، وللعلماء فيها أقوال منها: أنها حالٌ مِن (الكاف) في (أرسلناك)، وهي اسمُ فاعل، والتاءُ فيها للمبالغة، أي: إلا كافَّاً للناسِ عنِ الباطل، وقيل: هي مصدر (كَفَّ)، فهي بمعنى (كفّاً) أي: إلا أن تَكُفَ النَّاس كفّاً، ووقوع المصدر حالاً كثيرٌ.
وهناك من يقول: هي حالٌ من النَّاس متقدم عليها، وما أرسلناك إلا للناس كافة، وتطلبه النفي المتقدم أول الآية، فكانت أكثر بلاغة، ومنهم من قال: إنها حال لجار ومجرور محذوفين قبلها: (للناس)، و(للناس) الثانية للتأكيد، وآخر يقول: هي صفةٌ لمصدر محذوف، أي: رسالةً كافَّة.