زعم بعض سطحيي فهم لغة القرآن، أن الفعل (فتح) يقترن بحرف الجر (اللام)، إذا كان فتح خير، ويقترن بحرف الجر (على)، إذا كان في الشر، مستدلين بنص من كتاب الله، أو سنة رسول الله، معزول عن كل ما سواه، من نصوص القرآن والسنة، وقواعد العرب.
والحقيقة أن الفتح يكون له وعليه، ولهما معنى متقارب، وليس متناقضا، اعتمادا على أن حروف الجر تتناوب، في الاستخدام، ويحل بعضها مكان بعض، بهدف إضافة معنى يحتويه الحرف الآخر، على المعنى الذي يحتويه الحرف الأول، أو لإثبات معنى جديد.
ولكي نعرف حرف الجر، الذي يجب أن يقترن به أي فعل، يجب علينا أولا أن نعرف معنى هذا الحرف واستخداماته.
فحرف الجر (اللام) يفيد الاختصاص والملكية والتعليل، وقد يأتي للغاية، نيابة عن حرف الجر إلى، وعادة يأتي (اللام) في الغـُنم والربح بعكس (على) الذي يأتي عادة بالغـُرم والخسارة.
والأصل في الفتح أن يكون للمفتوح له، ولمصلحته، ولنفعه، أو للنسبة له، سواء أكان بالخير أم بالشر، ويقترن الفعل عندها بحرف اللام، ومنه قول الله تعالى: {مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِن رَّحْمَةٍ فَلَا مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلَا مُرْسِلَ لَهُ مِن بَعْدِهِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ}، وقوله: {إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُّبِينًا}.
أما حرف الجر (على)، فيكون للاستعلاء الحقيقي والمجازي، ويستخدم مع الفتح عادة، للأمر الذي يأتي من السماء، أو من الغيب البعيد، أو من الأعلى.
ويستخدم حرف الجر (على) مع الفعل (فتح) في بابي الخير والشر، ويتضمن معنى الحرف (اللام) مضافا عليه معنى العلو والبعد، ومنه قول الله تعالى في باب الفتح بالخير: {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُواْ وَاتَّقَواْ لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاء وَالأَرْضِ}، وقوله في باب الشر المنزل من السماء: {حَتَّى إِذَا فَتَحْنَا عَلَيْهِم بَابًا ذَا عَذَابٍ شَدِيدٍ إِذَا هُمْ فِيهِ مُبْلِسُونَ}.
كما جاء في الحديث النبوي، فيما رواه مسلم في صحيحه: (ثم يَفتحُ اللهُ عليَّ ويُلهِمُنِي من مَحامِدِه وحُسنِ الثناءِ عليه شيئًا لم يَفْتَحْهُ لأحدٍ قبلي)، فقرن الفتح مرة بحرف الجر (على)، حين أراد أن يضمنه معنى الاستعلاء والغيب الخفي، ومرة بحرف الجر (اللام)، حين كان الفتح مجردا عاما، بمعنى الملكية والاختصاص.
وفي لغتنا نقول: (فتح له الباب)، و(فتح الماء على الزرع).