لو أخبرْنا جاهلا باللغة، بأن التفاوت في تسمية منسك: (الصوم/ الصيام(، يعود لرحمة رسول الله بأمته، لأصيب بدهشة كبيرة، متعجبا من أسرار اللغة.
فالصوم في الأصل لغةً، مشتق من مادة تتألف من ثلاثة أحرف: (الصاد، والواو، والميم)، وصام يصوم صوما، فهو صائم، وهو كل ممسك عن شيء، متوقف عنه، ممتنع عنه، فيجوز أن نقول: صام عن الكلام، وصام عن الطعام، وصام عن الشراب، وصام عن الماء وغير ذلك من الإمساك.
ثم تطور اللفظ اصطلاحا، فأصبح يطلق على من يؤدي منسكا شرعيا محددا في الدين، كصوم نبي الله زكريا، وصوم مريم البتول، سلام الله عليهما.
ثم طور الشارع الحكيم اللفظ (الصوم)، في شريعة محمد: (الإسلام)، وأعطاه زيادة في المبنى، ليضيف إليه زيادة في المعنى، فسماه صياما، وأورده في القرآن بلفظة: (صيام)، ولم يورده بلفظة صوم، وذلك تأكيدا وإمعانا في تبيان أن الصوم الذي فرضه على المسلمين، يختلف عن صوم غيرهم، بكثرة التزاماته ومناسكه وسننه وواجباته، ليكون المسلم ملتزما بالصوم الشرعي، وهو الامتناع عن الحلال من الطعام والشراب والجنس، وملتزما بالسنن والفضائل، التي سنها رسول الله بعد ذلك، وملتزما بحياة مختلفة عن حياته الخاصة، في غير يوم الصوم.
ولما كان هدي رسول الله، الذي أرسله الله رحمة للعالمين، يراعي الرحمة بالعباد، فقد أعاد استخدام لفظة الصوم، ليكون دالا على الحد الأدنى من الالتزام بأمور الصيام، من إمساك عن الطعام والشراب، وبعض الشهوات الحلال، حتى لا يخرج المسلم من دائرة الصائمين، في تقصيره بالأمور الأخرى، التي ربما تجعله مقصرا في الصيام على الوجه الأكمل، ولكنه يظل ممن صام، وشملته رحمة الله للصائمين.
وهناك شواهد في شرع الله، وسنة رسول الله عن أمور شرعها الله لعباده، بصورة مثالية معينة، كقوله في الحج: {فَلاَ رَفَثَ وَلاَ فُسُوقَ وَلاَ جِدَالَ فِي الْحَجِّ}، ثم جاء رسول الله ليخفف عنهم ما لا يطيقون، برحمة الله وإذنه، ويخرج بندا من هذه البنود: (الجدال)، من شروط الغفران، ليبقى من بنود التمام والكمال، فقال: (من حجّ هذا البيت فلم يَرْفُث ولم يَفْسُق رجع كيوم ولدتْه أمُه)، ولم يذكر الجدال، لأنه يعلم أن الجدال بين المتخالطين، أمر يخرج عن سيطرتهم وقدرتهم أحيانا، فجعل تجنب الرفث والفسوق وحدهما دون الجدال، كفيلا بالمغفرة والرحمة.
المعتصم بالله البعاج