ناظره ومنتظره تدلان في العموم على معنى واحد، وهو من الانتظار، مع زيادة المعنى عند زيادة المبنى.
قال تعالى في كتابه الحكيم في سورة البقرة الآية: 104: {يا أيها الذين آمنوا، لا تقولوا راعنا، وقولوا انظرنا، وللكافرين عذاب أليم}.
والمثل يضرب للدلالة على أن ما هو آت لا بد أن يأتي ولو طال الزمن، فكل غد سيأتي وهو قريب.
كما يضرب للدلالة على أن من ينتظر الشيء، سيظل متعلقا به حتى يصله وكأنه يصبح قريبا.
وقصة هذا المثل أن النعمان بن المنذر خرج يوما على فرسه اليحموم فأجراها خلف جمال له، فذهبت به بعيداً، وابتعدت به عن أصحابه حتى حل عليه المساء، فطلب ملجأ يحتمي به، فوجد بناء فيه رجل من طيء، يدعى حنظله ومعه زوجته، فسأل النعمان حنظلة عن ملجأ، فلم يتردد الطائي، فقد أنزله عن فرسه، دون أن يعرفه، وقال لزوجته: أرى رجلا ذا هيئة فما الحيلة، فقالت له إن عندي دقيقا وشاة وحيدة، فاذبحها حتى أعد له طعاما، فذبح حنظلة الشاة، وضيّف ضيفه ثم جلس معه ليسامره، ولما أتى الصباح خرج النعمان وامتطى فرسه وقال لحنظلة، يا أخا طيء اطلب ثوابك فأنا الملك النعمان، فقال له الرجل أفعل إن شاء الله.
وعاد النعمان للحيرة، ومر زمن على تلك الحادثة ومرت ضائقة بالأعرابي، فقالت له زوجته لو ذهبت إلى الملك لأحسن إليك، فدخل الطائي إلى الملك وكان يصادف يوم بؤس، ووراء هذا اليوم قصة، فقد كان للنعمان يومان هما يوم البؤس ويوم النعيم.
عرف النعمان حنظلة، فضاق لما رآه، فسأله: أأنت الطائي المنزول به يقصد الذي نزل عنده؟ فرد حنظلة بنعم، فقال له النعمان: لمَ لم تأت بيوم غير هذا؟ فقال حنظلة: وما علمي بهذا، فقال النعمان: والله لو سنح لي في هذا اليوم قابوس ابني لم أجد بداً من قتله، فطلب الطائي أن يمهله حتى يذهب ليخبر أهله ويودعهم ويهيئ حالهم ثم يعود إليه.
طلب الملك رجلاً يكفل حنظلة، فكفله رجل من الحضور يدعى قراد بن أجدع، فوافق النعمان وترك الطائي يعود لأهله وأعطاه خمسمئة ناقة، وأمهله عاما كاملا، انقضى العام وبقي منه يوم واحد، فنظر النعمان لقراد وقال له: إن صدر هذا اليوم قد ولى، فرد قراد: «فإن غداً لناظره قريب»، فذهبت مثلا، ولما جاء ذلك اليوم، هم النعمان بقتل قراد، فقيل له: ليس لك أن تقتله قبل أن يستوفي يومه.
انتظر الجمع وقراد ينتظر قطع رأسه، ولما اقترب المغيب ووهُم بقطع رأس قراد، إذا بهم يلمحون رجلا آتيا من بعيد، فقالوا للنعمان: والله لا ينبغي لك أن تقتله حتى ترى من القادم، فإذا به الطائي.
نظر إليه النعمان وقد شَقَّ عليه مجيئه، فسأله: ما حملك على الرجوع بعد إفلاتك من القتل؟ فرد: الوفاء، فسأله: وما دعاك إلى الوفاء؟ فقال: ديني، فقد كان نصرانيا، فقال النعمان: فاعرضه علي، فعرضه، فتنصر النعمان وأهل الحيرة أجمعون، وكان ذلك قبل الإسلام.
ترك النعمان القتل منذ ذلك اليوم، وأبطل تلك السُّنَّة، وعفا عن قراد والطائي، وقال: والله ما أدري أيها أوفى وأكرم، أهذا الذي نجا من القتل فعاد، أم هذا الذي ضمنه؟ والله لا أكون ألأم الثلاثة.