سألت صاحبي: ما بالنا نشدد الأمر، والنهي، والرقابة، والتوجيه، على من نرأس في العمل والمنزل، فلا تكون النتيجة، إلا امتثالا دون إبداع، وطاعة دون إتقان، وقد سمعنا بمن كان يلمح، ولا يلح، ويوجه ولا يسترسل، فإذا تابعوه يفقهون ما لم يقل، ويدركون ما لم يكشف؟
فدلني أنه اعتماد مبدأ تزكية النفس، وترقيتها، لا تلقينها ما يجب عليها فعله، ولو كان توجيها واضحا، لا لبس فيه، وتحويلها إلى آلة مطيعة متقنة.
ليس صناعة متقنة للنفس الزكية، أن نقول لها: افعل ولا تفعل، وإلا لضاع الفاعل إذا التبس عليه الفعل، لأن شخصا علمناه، كيف يفكر في حل مشكلة واحدة واجهته، للوصول إلى الحل؟ أكثر حكمة وبراعة، من آخر واجه ألف مشكلة، وعلمناه كيف يحلها جميعها، فالأول علمناه كيف يحل المشكلة، والآخر كيف يفكر بحلها.
إن كثيرا من المبدعين الفطنين، الذين لم يكن لهم نصيب واسع، من نهل العلم الرسمي، هم أكثر بأسا وحكمة، من أناس غيرهم، أتلفوا مقاعد الدراسة، في الكليات والجامعات، بطول مكوثهم واستماعهم، لمن يلقنهم، فلم تتفتق أذهانهم، إلا عن الطريق، الذي ساروا به.
إن طفلا يتعلم، كيف يواجه الشدائد، ونمنحه الفرصة، في البحث عن أساليب المواجهة، سيكون حينما يكبر رجلا ناضجا، أقدر على شق طريقه، بعبقرية وحكمة، من أخيه، الذي حففناه برعايتنا، وقدمنا له حلولا جاهزة معلبة، لكل مشكلات حياته، وأعفيناه من فرصة صناعة نفسه، بصورة مرنة قادرة على التفاعل، مع ما لم يكن يدركه من قبل.
إن تزكية أنفس أبنائنا وجعلها تدرك أن قيادة المركبة بسرعة زائدة شر، وتجاوز الإشارة الضوئية المرورية شر، ومخالفة قوانين المرور شر، أفضل ألف مرة من أن نقول له: لا تسرع فيطيعنا، ولا تتجاوز الإشارة فيطيعنا، لأن الأول سيكون مبدعا في التمييز بين الخطأ والصواب، حتى لو واجه خطأ جديدا، لم يكن يدركه قبل ذلك، وستكون نفسه الزكية هي التي تأمره أن يفعل أو لا يفعل، ، بينما سيكون الآخر – في أحسن أحواله – منفذا لما كان واضحا أمامه، فإذا جد جديد ضاع في تمييزه، وهام في أفكاره يبحث عن: افعل ولا تفعل.
إن التربية العبقرية، هي أن نجعل أنفس أبنائنا تقول لهم: افعل ولا تفعل، وليس أن نجعل آذانهم مصغية لما تقول أفواهنا، فأن تقول له نفسه لا تخطئ، خير من أن نقولها له نحن.