(الصابئون) و(الصابئين)

Albaaj1017 أكتوبر 2024آخر تحديث :

 

لماذا تغيرت حالة الإعراب بين (الصابئون) و(الصابئين) في آيتين مختلفتين من القرآن مع أنهما متحدتان في مكان الإعراب.

البقرة..

الخطاب لبني إسرائيل.

{وَإِذْ قُلْتُمْ يَا مُوسَى لَن نَّصْبِرَ عَلَىَ طَعَامٍ وَاحِدٍ فَادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُخْرِجْ لَنَا مِمَّا تُنبِتُ الأَرْضُ مِن بَقْلِهَا وَقِثَّآئِهَا وَفُومِهَا وَعَدَسِهَا وَبَصَلِهَا قَالَ أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنَى بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ اهْبِطُواْ مِصْراً فَإِنَّ لَكُم مَّا سَأَلْتُمْ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ وَالْمَسْكَنَةُ وَبَآؤُوْاْ بِغَضَبٍ مِّنَ اللَّهِ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُواْ يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ الْحَقِّ ذَلِكَ بِمَا عَصَواْ وَّكَانُواْ يَعْتَدُونَ {2/61}.

{إنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ وَالَّذِينَ هَادُواْ وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحاً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ {2/62} وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ وَرَفَعْنَا فَوْقَكُمُ الطُّورَ خُذُواْ مَا آتَيْنَاكُم بِقُوَّةٍ وَاذْكُرُواْ مَا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ {2/63}.

الترتيب: الذين آمنوا ـ اليهود ـ النصارى ـ الصابئين.

الخطاب في هذه الآيات كان موجها لبني إسرائيل، وأراد الله أن يبين لهم ويطمئنهم، إلى أن من عمل منهم أو ممن حولهم أو معهم عملا صالحا، فلن يضيع عمله، ورتب الأقوام بداية بالمؤمنين، مرورا باليهود، ثم النصارى، وجعل الصابئين بعدهم بالترتيب، لأنهم ليسوا أصحاب شريعة سماوية، مع أنهم في الترتيب الزمني بعد اليهود وقبل النصارى، ولكن وضعهم اقتضى تأخير مكانهم.

الحج..

الخطاب للناس عموما.

{إِنَّ اللَّهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ {22/14} مَن كَانَ يَظُنُّ أَن لَّن يَنصُرَهُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ فَلْيَمْدُدْ بِسَبَبٍ إِلَى السَّمَاء ثُمَّ لِيَقْطَعْ فَلْيَنظُرْ هَلْ يُذْهِبَنَّ كَيْدُهُ مَا يَغِيظُ {22/15}

{وَكَذَلِكَ أَنزَلْنَاهُ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ وَأَنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَن يُرِيدُ {22/16} إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئِينَ وَالنَّصَارَى وَالْمَجُوسَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا إِنَّ اللَّهَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ {22/17}.

الترتيب: الذين آمنوا ـ اليهود ـ الصابئين ـ النصارى ـ المجوس ـ المشركون.

الخطاب في هذه الآيات كان موجها للبشر عامة، وأراد الله أن يبين لهم أنه سيحكم فيهم بعدله، ولن يظلم أحدا، ورتب الأقوام بداية بالمؤمنين، مرورا باليهود، ثم الصابئين، ثم النصارى، ثم المجوس، ثم المشركين، وهو ترتيب زمني واضح لخروج هذه الديانات وهذه الأمم، ولم يقدم أحدا على أحد، لأن الموقف موقف حساب وفصل، وحكم بين الناس، لا موقف أجر وفضل، وفي الحكم لا يتميز أحد على أحد، في الخصومة والحكم.

ويناسب سياق ذلك أن الله ذكر نفسه بلفظة (الله) حين تعهد بالفصل بين الناس دون أن ينسب نفسه لأحد كما جاء في الآيتين الأخريين السابقة والتالية: (ربهم)، و(ربك) لأنه هنا حكم عدل بين الجميع ولا يتحيز لأحد.

ودائما حينما يذكر الله الحكم بين الناس يقول: (إن الله يحكم)، ولا يقول: (إن ربك يحكم بينهم).

المائدة..

الخطاب للرسول.

{يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ {5/67} قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَسْتُمْ عَلَى شَيْءٍ حَتَّىَ تُقِيمُواْ التَّوْرَاةَ وَالإِنجِيلَ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْكُم مِّن رَّبِّكُمْ وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيرًا مِّنْهُم مَّا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ طُغْيَانًا وَكُفْرًا فَلاَ تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ {5/68} إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ وَالَّذِينَ هَادُواْ وَالصَّابِؤُونَ وَالنَّصَارَى مَنْ آمَنَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وعَمِلَ صَالِحًا فَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ {5/69} لَقَدْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَأَرْسَلْنَا إِلَيْهِمْ رُسُلاً كُلَّمَا جَاءهُمْ رَسُولٌ بِمَا لاَ تَهْوَى أَنْفُسُهُمْ فَرِيقًا كَذَّبُواْ وَفَرِيقًا يَقْتُلُونَ {5/70}.

الترتيب: الذين آمنوا ـ اليهود ـ الصابئون ـ النصارى.

لقد كانت من مهارات العرب إذا أرادوا أن يلفتوا الانتباه إلى لفظ، وتحميله معنى غير ظاهر، غيروا حركة إعرابه، وقدروه على سياق آخر، يتناسب مع المعنى المطلوب.

ومنه قولهم: رأيت تميمَ المسكينُ.. وجاء مجدي المسكينَ.. وأعطى زيدٌ الكريمَ..

وتقديرها: رأيت تميمَ (هو المسكينُ)، وجاء مجدي (ارحم المسكينَ)، وأعطى زيد (امدح الكريمَ).

والعبرة في تغيير الحالة الإعرابية في الآية الأخيرة، وعدم تغييرها في الآيتين السابقتين، وكذلك ذكر أصحاب ديانات معينة، وعدم ذكرها في مكان آخر تتضح عند الانتباه إلى:

  1. الجهة التي يخاطبها الله.
  2. المعنى الذي يريده الله.
  3. النتيجة المترتبة على ذكر أتباع الديانات وترتيبهم.

النتيجة:

الخطاب في هذه الآيات الأخيرة كان موجها للرسول صلى الله عليه وسلم، وأراد الله أن يبين له أن من عمل صالحا من هؤلاء الأقوام فلن يضيع عمله، ورتب الأقوام بداية بالمؤمنين مرورا باليهود، ثم الصابئين، ثم النصارى، وهو الترتيب الزمني لخروج هذه الديانات وهذه الأمم، ولكنه غير حالة (الصابئين) الإعرابية وجعلها (الصابئون)، ليبين اختلاف حالهم عن حال من سبقهم ومن تلاهم، توقيرا لحال الرسول لأنه يخاطبه بصفته نبيا مرسلا، فرفع قدر أتباع إخوانه الأنبياء المرسلين، بتمييز حال أتباعهم عن حال أناس لم يكونوا يتبعون رسولا، ووحد حالتهم الإعرابية، وذلك بعطف بعضهم على بعض، حتى لو ورد بينهم جملة اعتراضية (الصابئون)، ومنح الصابئين حالة إعرابية مختلفة لأنهم ليسوا أصحاب ديانة سماوية، ولكنه أنصفهم بترتيبهم الزمني، فقدمهم على النصارى بالذكر، لأن منهم من عمل صالحا قبل النصارى، فأصبح تقدير السياق، (والصابئون كذلك)، ثم عطف النصارى على ما قبل هذه الجملة المقدرة، ويكون وجه إعراب: (والصابئون)، الأشهر والأوضح: مبتدأ في جملة اسمية جديدة تقديرها: (والصابئون كذلك).

ويكون السؤال الثاني هنا: لماذا إذن ذكر الصابئين، ولم يذكر المجوس والمشركين؟

الإجابة: لأن الصابئين هم الوحيدون الذين كان يصح العمل من المحسنين منهم، لأنهم كانوا موحدين، مع أنهم لا يتبعون رسالة وديانة سماوية، أما المشركون والمجوس فلا يصح منهم أي عمل، ولذلك استبعد ذكرهم عند الحديث عن الأجر والثواب، وذكرهم مع غيرهم عند الحديث عن الحساب.

أما السؤال الثالث الذي يطرح نفسه هنا فهو: لماذا لم يفعل الله ذلك نفسه حين خاطب اليهود، بتقديم الصابئين على النصارى؟

الإجابة: بل فعل ولكن بصيغة مختلفة، فاليهود لا يؤمنون إلا بأنفسهم، ولا يقرون بأية ديانة أخرى، ويتساوى عندهم النصارى والصابئون، ولذلك فقد قدم الله ذكر النصارى عندهم على الصابئين، على الرغم من أنهم جاؤوا بعدهم، ليبين لهم أن النصارى أفضل من الصابئين، بسبب اتباعهم نبيا جاء من عند الله، ولو قدم الصابئين على النصارى استنادا لترتيبهم الزمني لقوى حجة لليهود على النصارى بأنهما: (النصارى والصابئين) متساويان، وأنهما معا (ليسوا على شيء).

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.