برز العديد من علماء الدين والاجتماع – ومنهم الشيخ محمد عمر الداعوق اللبناني، والشيخ علي الطنطاوي السوري، رحمهما الله – بوصفهما مثل البلسم الشافي، يدخلون القلوب دون إذن مسبق، ولا استعداد علمي، حتى لدى بسطاء الناس، الذين ما أن يروا أو يسمعوا لأحدهم، حتى يمنحوه عقولهم وقلوبهم، مستمعين منصتين، غير متذمرين، بينما أوصدوا أفئدتهم بصرامة، في وجه علماء آخرين، لا يقلون عنهم فضلا وعلما وخلقا، ممن قدموا مادتهم وعلمهم، دون أن يدرسوا المتلقي وحاجاته.
وفي الميادين الأخرى، يستلطف المرضى، الطبيب فلانا، والإعلامي فلانا، والبائع فلانا، لا لفضلهم على أترابهم، ولكن لأنهم أدركوا، كيف يدخلون القلوب؟ وكيف يسمع محدثهم منهم، ما يحب أن يسمع، وما يروق له أن يسمع، وما يحتاج أن يسمع، قبل أن يسمع هو ما يحبون هم أن يسمعه، مما عندهم.
من خلال تجربتي، في الإعلام التنموي، أشرفت وشاركت، في الكثير من الأعمال الإعلامية التوعوية، على مختلف المستويات، فكان الناس دائما مـُعـْرِضـِـينَ عن السماع، إلا من رحم ربي، حتى وهبهم الله ثلاثة أعمال، كان الناس أحرص من مقدميها، على اقتنائها، مع أنها كانت تمثل، رسالة توعية، وتوجيه، وإرشاد، واضحة.
أول تلك الأعمال، كان كتيب دليل المسافرين برا، بطبعتيه (2007 – 2008)، الذي قدم للقارئ معلومات سياحية، ومرورية، ودينية، حول مناسك العمرة، وجداول مرافقة، لبوصلة تحديد اتجاه القبلة، ومعلومات دقيقة عن المسافات والطرقات الخارجية، وعرضا للتوعية والإرشاد، بأسلوب محبب، ساعد على طلب أبناء الجمهور، للكتيب بشكل متلهف، حيث أسمعهم مؤلف الكتاب ما يحبون، ثم أسمعهم ما أحب أن يسمعوا.
ثاني الأعمال، كان قلما جافا، يحتوي على جميع المعلومات، الخاصة بقانون النقاط المرورية، فسارع كل سائق، ليجعله أحد مستلزماته الشخصية، في المركبة، وقد تضمن إشارات توعوية واضحة.
أما ثالث الأعمال، فقد كان كتاب (دفتر) ذكريات الوليد، الذي تضمن أهم المعلومات، الصحية والاجتماعية والتوثيقية، التي تهم كل أم، في كتيب واحد، وتضمن صفحات يطلب الدفتر من الأم، التي تتسلمه يوم ولادتها مولودها، أن تملأها كل يوم، مدونة ذكريات وليدها، ليكون أحد أعز مقتنيات هذا الطفل، ووالدته، في المستقبل، متعرضين من حيث لا يشعرون، خلال استعراضهم محتوياته، لرسائل توعية، وإرشاد مهمة جدا، كانت هي الهدف الأساسي، من إنجازه، ما كان لهم أن يتقبلوها، لو أتتهم بمعزل عما يحبون.