وَهَمَ بعض الكتاب والأدباء والشعراء، باستخدامهم الفعل أسف ويأسف ويتأسف، بمعنى اعتذر ويعتذر، بسبب خطأ حدث، والحقيقة أن الفعل أسف لا يعبر في أية حالة من حالاته عن الاعتذار.
فالأسف عند العرب، هو مشاعر تختلج في النفس والقلب، تتراوح بين الحزن والتلهف والغضب، ولا رابط بينها وبين الاعتذار أبدا.
قال الله تعالى: {وَلَمَّا رَجَعَ مُوسَى إِلَى قَوْمِهِ غَضْبَانَ أَسِفًا}، أي شديد الغضب والحزن.
وقال: {فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَّفْسَكَ عَلَى آثَارِهِمْ إِن لَّمْ يُؤْمِنُوا بِهَذَا الْحَدِيثِ أَسَفًا}، أي حزنا.
وقال: {فَلَمَّا آسَفُونَا انتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْنَاهُمْ أَجْمَعِينَ}، أي أغضبونا.
وقال: {وَتَوَلَّى عَنْهُمْ وَقَالَ يَا أَسَفَى عَلَى يُوسُفَ وَابْيَضَّتْ عَيْنَاهُ مِنَ الْحُزْنِ فَهُوَ كَظِيمٌ}، أي واحزنا وتلهفا.
وجاء في الحديث النبوي: (موتُ الفجأةِ راحةٌ للمؤمنِ وأخذةُ أسفٍ على الفاجرِ)، أي أخذة غضب من الله.
وجاء على لسان الصحابي معاوية بن الحكم السلمي: (وأنا رجلٌ من بني آدَمَ، آسَفُ كما يأسَفونَ)، أي أغضب كما يغضبون.
وجاء في لسان العرب: (الأسف: المبالغة في الحزن والغضب، وأسف أسفا وأسفان وآسف وأسوف والجمع أسفاء.
وقد فسر الراغب الأصفهاني كلمة الأسف، خلال حديثه عن غريب القرآن بقوله: (الأسف: الحزن والغضب معا، وحقيقته ثوران دم القلب شهوة الانتقام، فمتى كان ذلك على من دونه انتشر فصار غضبا، ومتى كان على من فوقه انقبض وصار حزنا).
وقال ابن فارس في كتابه (المقاييس): (الهمزة والسين والفاء أصل واحد يدل على الفوت والتلهف).
وقال ابن الأنباري: أسف فلان على كذا وكذا، وتأسف وهو متأسف، لأن الأسف عند العرب الحزن، وقيل أشد الحزن.
وقال الشاعر عفان بن شرحبيل:
أحببت أهل الشام من بين الملا /// وبكيت من أسف على عثمان
ومما جاء شعرا يقرن الفعل أسف باللام بدل حرف الجر على:
فيا عجب من آسف لامرئ ثوى /// وما هو للمقتول ظلما بآسف
ومن الطريف أننا نترجم للأجانب قولهم في التعزية والمواساة: (أنا آسف على ما أصابك، أو أنا آسف لما أصابك)، ونتندر عليهم على أن معناها اعتذار، والموقف ليس موقف اعتذار، فنستنكر الاعتذار في هذا الموقف، وهي في حقيقتها تعني: (أنا حزين لما أصابك)، وهي من المواساة.