في لغة العرب التي أجلها الله بأن جعلها لغة كتابه: أي زيادة في المبنى، يترتب عليها زيادة في المعنى، أي: أية زيادة في الكلمات والأحرف وربما في التشكيل أحيانا، لا بد أن يترتب عليها زيادة في معنى الكلام، مضافة إلى المعنى الأصلي قبل الزيادة، وأية زيادة في المبنى، لا يترتب عليها زيادة في المعنى، فهي ركاكة وضعف تأباه لغة القرآن.
فكثير من اللغات تحتاج إلى أفعال مساعدة أو كلمات مساعدة قبل الأفعال، لتثبيت المعنى أو توضيحه أو تأكيده، وقد تأثر بذلك بعض الكتاب والصحفيين العرب، وانتشرت أخطاؤهم الشائعة بين عوام الناس ومثقفيهم.
إن استخدامنا فعل: (قام) وهو على خلاف معنى جلس، قبل الأفعال الصريحة، لا معنى له في العربية، بل هذا الاستخدام ركاكة وضعف وعجز، يفقد لغتنا مهابتها وجمالها، اللذين ميزها الله بهما، وجعلها وعاء لكتابه العزيز.
جاء في المعجم: (القيام نقيض الجلوس قام يقوم قوما وقياما وقومة وقامة والقومة المرة الواحدة)، وتستخدم بالمعنى الحقيقي، كما تستخدم بالمعنى المجازي، كقولنا: (قامت الشمس) إذا استوت في السماء، ويقال: (قام فلان على الشيء، إذا ثبت عليه وتمسك به).
قال الله تعالى: {وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلَاةِ قَامُوا كُسَالَى يُرَاءُونَ النَّاسَ}، أي إذا انتقلوا من وضعية الجلوس إلى وضعية القيام للصلاة.
وقال: {وَأَنَّهُ لَمَّا قَامَ عَبْدُ اللَّهِ يَدْعُوهُ كَادُوا يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَدًا}.
وللفعل قام معنى كامل بذاته، ولا يصح أن يكون فعلا مساعدا لفعل آخر، كقولنا: (قام المدير بافتتاح المشروع)، وكان يجب أن يكون النص: (افتتح المدير المشروع).
قال الله تعالى: {من أهل الكتاب أمة قائمة}، أي مواظبة على الدين ثابتة، وقام على الأمر أي أشرف عليه، وأقام الصلاة أي جعلها ظاهرة بارزة.
روى مسلم في صحيحه عن أنس بن مالك رضي الله عنه: (لما تزوَّج النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ زينبَ بنتَ جحشٍ، دعا القومَ فطعِموا، ثم جلسوا يتحدَّثون، قال: فأخذ كأنه يتهيَّأ للقيامِ فلم يقوموا، فلما رأى ذلك قام، فلما قام، قام من قام من القومِ).